العجز المستفحل عند السّلطة.

العجز المستفحل عند السّلطة.



مقال من كتابة الرّفيق جميل فارس:

فيما لا تزال القرى الحدودية تحت الإحتلال مستباحة بعمليات التجريف والنسف، تطفو الخلافات على التلزيمات لرفع الأنقاض والدمار في ضاحية بيروت الجنوبية دون أي ردة فعل إحتجاجية من الجهات الرسمية. تخرج البرجوازية الطائفية للصيد، وهي المستفيد الوحيد في هذه الحرب، فيما قدّم فقراء لبنان كل ما أمكنهم لإيواء النازحين الجنوبيين الذين بذلوا دماءهم وبيوتهم في هذه الحرب. وفي غياب تام لمؤسسات الدولة، تخرج هذه الطبقة لنشل تعويضات المتضررين قبل صرفها أو حصرها وإحصائها، وقد شهدنا الوقفة الإحتجاجية لتجار مدينة النبطية لإستصراخ حقوقهم بشكل إنتقائي، خشيةً من عدم توفر الأموال بعد تراجع تعهدات الدول المانحة، ومنح أولوية الإعمار لسوريا، بالتوازي مع رفع الإيجارات أمام الذين خسروا بيوتهم، والذين تعذرت عودتهم الى قراهم بسبب الإحتلال، وبعد حديث الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم عن مدفوعات كبدل إيواء.

هنا يتجدد العجز المستفحل عند السلطة في اتخاذ قرارات تجاه أي طارئ، حتى إن كان عاصفة مطرية، وقد صدر ما صدر من تصاريح مالية كإعادة الودائع واستخراج النفط عبر طائرة بري وميقاتي في الناقورة قبل الحرب. وكأن مصائب اللبنانيين تتوالى لتنقذ النظام السياسي بتعهدات مسؤوليه الحديثة، التي تطمر القديمة. وبالعودة الى كلام أمين عام حزب الله عن صرف التعويضات، نرى فيه ما يشى بتعثرها، كدعوته الدول العربية والإسلامية، بإشارة الى المملكة السعودية دون أن يسمّيها، ثم دعوته غير المباشرة للمغتربين الذين تبخرت ودائعهم للمساهمة، أو أقلها بالتنازل عن تعويضات بيوتهم التي أسقطتها الصواريخ الإسرائيلية. وهنا لا بد من المقارنة بين دعوته المُحرَجة ودعوة الأمين العام الراحل أثناء حرب تموز عام 2006 حتى قبل وقف إطلاق النار، حيث قال بالحرف: “بدنا نعمّرها بفلوس حلال”، لأنه كان واثقا من تدفق الأموال على قاعدة أن الهزيمة يتيمة وأن النصر له ألف أب يتمنى أن ينتسب له.

إذا معضلة لبنان واحدة في السلم والحرب! طوائف تتمثل ببرجوازياتها، تتقاسم المغانم وتترك المغارم لرعاياها. حتى أنها لم توعز لمؤسساتها التعليمية الخاصة أن تلحق التلاميذ والطلاب النازحين لاستكمال العام الدراسي في بداية الحرب، كما فعلت المدارس الرسمية التي أسقطها القطاع الخاص بمؤامرة إفقار معلميها وتحميلهم مسؤولية الإنهيار، ومنع أي كلفة عن المصارف الممثلة في البرلمان “وحكومات الوحدة الوطنية ” ، وتسخير وزارة المال لها لمنع المساءلة وتمرير القرارات.