«مواطنون ومواطنات» في عيترون

«مواطنون ومواطنات» في عيترون

مقال من كتابة جميل فارس عضو في حركة مواطنون و مواطنات في دولة نشر في جريدة الأخبار.

تقول الرواية الشعبية إن كلمة عيترون تطوّرت من «عثرون» التي تعثّرت بكارثة طبيعية بعدما أسقطها زلزال مدمّر، ويقول أحد معلميها إنها اختصار لكلمتي «عَيت» و«رون» من لغة قديمة، وتعني الرائحة الطيبة.

أما بعض مثقفيها فيعتبرون أنها مشتقّة من اسم إلهة الحب والجمال لحضارة عابرة، وهو التفسير الأقرب إلى قلبي، رغم أن عيترون لم ترَ من الحب إلا القدر اليسير منذ نكبة فلسطين.

غابت الدولة عن قريتي، فتحمّل أبناؤها عبء النهوض التعليمي والثقافي، على سِماط الفقر بعزيمتهم، رغم الاحتلال وشتات أبنائها بين الهجرتين الداخلية والخارجية، حتى 25 أيار عام 2000 واندحار الاحتلال.

لكنّ النظام اللبناني التزم، رغم التحرير، عُهدة الإهمال، وتحوّل كل ما له تماس بإنماء البشر إلى جوائز ترضية، وطغت العلاقات الشخصية على المؤسسات لتزيد من عزلة المزارعين والمعلمين والكادحين وبؤسهم، ولتُقفر القرية مرة جديدة، ويهاجر أبناؤها بحثاً عن فرص عملٍ تليق بكفاءاتهم التعليمية، أسوة بكل الشباب اللبناني الذي تحوّل إلى مغانم مدفوعة الكلفة للدول المستوردة، ومصدر عملة صعبة ينضب ورودها على مر الوقت إلى الدولة المُصدِّرة. وتحوّل الاستحقاق البلدي إلى تقليد عائلي لمن تفرّغ له، بدل أن يكون تكليفاً ومسؤولية لمن يتهيّأ له. هو واقع مؤسف رغم عِظم التضحيات، أن يكافئ المقاومةَ المستمرة منذ عقود جحودُ سلطة الطوائف!

لذلك، ندخل كحزب «مواطنون ومواطنات في دولة» الاستحقاق البلدي في عيترون، لنكون على مستوى المسؤولية، في ظل حرب إسرائيلية تتبدّل دون أن تنتهي، لاستعادة مفهوم العمل البلدي وإعادة تعريفه في الواجبات كما في الحقوق.

حقوق ممنوعة عن المواطنين وعن بلديتهم، لتقاعس رؤسائها منذ عقود وارتضائهم موبقات السلطة وتعطّلها، مسؤوليات المجالس البلدية تتضاعف عندما تنكفئ الدولة وتتغاضى عن حاجات الناس بعد ست سنوات من إفلاس مدوٍّ.

هي قضية مسؤوليات قبل أن تكون قضية صلاحيات، وصلاحيات المجالس المحلية تقارب صلاحيات مجلس وزراء.

عيترون رمز لمعاناة لبنان كله، خارجياً مع عدو محتلّ، وداخلياً بحكم الإفلاس والهجرات وتمزّق البلد الاجتماعي والسياسي وفق الخطوط الطائفية.

وتعاني القرية، من الحرب وآثارها مرتين، بالتضحيات الغالية التي قدّمتها، وبارتضاء أن مواجهة المشروع الصهيوني مسألة تخص الطائفة، معزّزة بذلك الاعتبار السائد لدى كثيرين، بأن الشيعة هم المسؤولون عما حلّ بهم.

وترتبط أسباب المعاناة الخارجية بالداخلية عندما نرى أن إسرائيل تعاملت مع المجتمع اللبناني انطلاقاً من المنطق الطائفي الذي يتعامل به هذا المجتمع مع ذاته، فاستهدفت «المناطق الشيعية»، وحتى الأحياء والأبنية والشقق التي يسكنها شيعة خارج تلك المناطق.

عندما يجتمع حزب الله وحركة أمل على أولوية تحصين الطائفة، يحصل تقوقع إضافي، وتصبح الطائفة سجناً وليس حصناً، ما يُسهل على إسرائيل تنفيذ استراتيجيتها المنظّمة لتفتيت المجتمعات المحيطة.

نعمل نحن من خارج النظام الطائفي، فنحمل الطرح والخطاب نفسيهما في كل المناطق، لنفكّ الأسر الطائفي وقيوده ونواجه المشروع الصهيوني في أساسه، كطرح طائفي عنصري ديني.

دفعنا، نحن أهل الجنوب، في هذه الحرب، تكاليف اقتصار المقاومة على طائفة ومنطقة معينة، وتكاليف ارتضاء نظام هدنة بين طوائف راهن كل منها على طرف خارجي وباتت مرتهنة لحساباته، من أميركا إلى إيران، نظام بدّد الموارد وعطّل القرارات وحوّل البلد إلى متسوّل، ما يريح الاحتلال ويساعده على تعزيز الانقسام ويسهّل عمليات الابتزاز حتى في مرحلة الإعمار.

إعلاء راية التزكية ضمن الطائفة يكرّس مفاعيل العجز والانقسام في لبنان ويعزّز طموحات إسرائيل بمناصرة طوائف بوجه أخرى كما يجري في سوريا اليوم. وفي هذا السياق، تصبح إعادة الإعمار أكثر من مجرد إعادة بناء حجر؛ إنها إعادة تنظيم للحياة، وإعادة تنظيم للمواجهة مع العدو الصهيوني، خصوصاً في الجنوب، لا بل انطلاقاً من الجنوب نحو الوطن كله.