«مواطنون ومواطنات» والبلديات: الانتخابات سياسية مئة بالمئة

تخوض حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» الاستحقاق البلدي، بمفاهيم ومعايير، مختلفة جذرياً عن السائد، منطلقةً من أنّه استحقاق سياسي صرف، لا عائلي ولا إنمائي بالمعنى الضيّق للكلمة، وحكماً لا تحكمه الاعتبارات الطائفية حيث البلدات مختلطة. هو سياسي، بمعنى اتصاله بالسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي يجب أن يتبناها المجلس البلدي، وعلى أساسها يضع مشاريعه المُفترض أن تتماشى وحركة المقيمين في البلدة أو المدينة، وأن تطاول حق السكن، والعمل، والطبابة، والنقل المشترك، وإشعار الناس بالطمأنينة وتثبيتهم في بلداتهم وتالياً في وطنهم.

الطرح قد يبدو غير مألوف. وهو كذلك، عن قصد، لأن الحركة تقدّمه كـ«بديلٍ إجرائي عن النظام السياسي، المعطّل إجرائياً». هذا النظام الذي يهدد ببقائه تبديد موارد المجتمع. ولأن البلديات ساحة من ساحات النظام المعطّل، وجزء من البنيان المترهّل للدولة، سعت الحركة إلى أن تُظهر «البديل» انطلاقاً منها.

بالانطلاق من التعريف، يرفض الأمين العام للحركة شربل نحاس، فصل البلدية عن السياسة، لما في ذلك من إراحة لأحزاب السلطة، التي «تلجأ إلى اللعب على العبارات بدهاءٍ ما بين سياسي وعائلي، للهروب من النزاعات التي تنشأ بين العائلات نفسها، على خلفية الترشيحات البلدية، تفادياً لخسارة قسمٍ من العائلة إن تمّ تبنّي دعم أحد مرشحيها على حساب الآخر». وبالتالي فإن سطوة الأحزاب ضمن الطائفة الواحدة، تفترض برأيه، «عدم أسر الحزب ضمن حسابات العائلات».

أما صيانة تعايش الطوائف، حيث تتلاقى، كما هو الحال في بيروت، فتفترض «ألا تكون هناك نزاعات بينها». لذلك، «اجتمعت كلّ الأحزاب المُتخاصمة في لائحة واحدة في بيروت، تحت مبرّر أن الاستحقاق بلدي ومحلي وإنمائي، لا سياسي». بهذا المعنى، تقول أحزاب السلطة إنّ «السياسة هي التهديد، والقلق، والخوف، وكل ما يمكن لمّه دون الوصول إلى العنف الطائفي نسميه عائلياً لا سياسياً».

ويسأل نحّاس: «أين العائلات التي يتلطّون خلفها، بينما السكان الفعليون لا ينتخبون ولا يراقبون بل يدفعون الضرائب فقط، والناخبون المهتمون أقصى اهتمامهم الوصول إلى البلدية من باب الوجاهة العائلية، وتزعّم البلدات والمناطق». وعليه فإن «خوض الانتخابات البلدية على أنّها شأن عائلي محلي، هو مشاركة في تعميق العجز الذي تسببت به أحزاب السلطة، ولا يجوز أن يكون مناسبة للعبة الوجاهات البائسة، وإنكار ما وصلنا إليه، من واقع مرير».

لماذا اختيار بيروت وطرابلس وصيدا وعيترون؟

اختارت «مواطنون ومواطنات» ثلاث مدن رئيسية، وبلدة من بلدات الحافة الأمامية جنوباً، لتخوض فيها الانتخابات البلدية. وعدا كون العمل في المدن يفتح نافذة أوسع للعمل السياسي، فإن لكل منطقة رمزية في اختيارها.

في بيروت، تخوض الحركة الاستحقاق بلائحة «عاصمة لدولة»، مؤلّفة من 15 مرشحاً. فجاء الاختيار، كون بيروت «مدينة مقطّعة فقدت دورها الاستقطابي الإقليمي، وبات الاستتباع والتسوّل مستحكميْن بكل أوجه الاقتصاد والسياسة والمجتمع. مدينة مجزّأة طائفياً، ضمنها أولاً، ومع ضواحيها. إضافة إلى هجرة أهالي بيروت، باتجاه ضواحيها، نتيجة التشوه الاقتصادي، وتعمّق الفروقات الطبقية، وارتفاع أسعار الأراضي والعقارات».

ورفضاً لدعوات المناصفة والتقسيم، أعلنت «حركة مواطنون ومواطنات» لائحة غير مكتملة من 15 مرشحاً، دون مراعاة للاعتبارات الطائفية، بين السنّة والشيعة والمسيحيين، التي حكمت تأليف لائحة الأحزاب التقليدية واسمها «بيروت بتجمعنا»، واصفةً إياها بأنها «تجديد للنظام الموروث من الحرب، في بيروت التي لا تجمع أحداً اليوم، سوى أحزاب تريد لملمة الانقسام الطائفي بمسمى عائلي، بعيداً عن البرامج وهموم أهل المدينة»، وأنها «اجتماع العجز في البلدية، كما هو حال اجتماع العجز في الحكومات المتعاقبة». وعن عدم التحالف، مع لائحة «بيروت مدينتي»، اعتبرت الحركة، أن «التغييريين ارتضوا شروط اللعبة، بتشكيلهم لائحة ترعى الهواجس الطائفية، بقولهم نحترم قواعد اللعبة لكننا أفضل».

في ما يخص طرابلس، حيث خاض مرشّح الحركة مصباح رجب الانتخابات أمس، ضمن لائحة «الفيحاء»، جاء الاختيار، نتيجة انفصال طرابلس شبه الكامل عن بيروت، وهو انفصال بين أهم قطبين مَدينيين. والانفصال الثاني عن الداخل السوري الطبيعي، بينما التطورات الأمنية في الداخل السوري تنعكس ضمن المدينة وحولها، وتراجع الدور القطبي لطرابلس، والمناطق التابعة، إضافة إلى الفرز الطبقي داخل المدينة بين شرق البولفار وغربه. واعتبرت الحركة أنّ هذا الوضع المركّب يعرّض طرابلس ومحيطها لمخاطر جدية لا تقتصر على الوضع المعيشي والاقتصادي.

أما اختيار صيدا، لأنها بوصف الحركة «مدينة منغلقة، بحكم وقوعها بين مناطق تُعتبر طائفياً منفصلة عنها، أي الشوف وجزين وجبل عامل، فتحولت صيدا إلى ممر للجنوب بشكل عام، وبوابة إلى بيروت، وبحكم هذا الانزواء، تحوّل أفق الحراك السياسي من مختلف أطرافها فبات محصوراً في النطاق البلدي».

في عيترون، تجري «الحركة» مفاوضات قبيل إطلاق اللائحة. لكنّ القرار بخوض المعركة، في الأصل نابع، من رمزية البلدة، التي تعبّر عن «مآسي البلد شأنها شأن كل بلدات الحافة الأمامية جنوباً»، بصفتها «شاهدة على العدوانية الصهيونية، وقدّمت تضحيات جسيمة، ومعاناته داخلياً بحكم تمزّقه الاجتماعي والسياسي». خوض الاستحقاق بالنسبة إلى الحركة هو «اعتراض على منطق أن حزب الله ومن خلفه البيئة الشيعية مسؤولون عن تحمل تبعات قرار خوض الحرب»، وبالتوازي مع معارضة هذا الجدار المبني داخلياً بوجه الثنائي، تعتبر الحركة أن «الثنائي الشيعي يبني جداراً يحاصر به نفسه، عبر محاولاته إنجاح البلديات جنوباً بالتزكية، من أجل تحصين الطائفة».

الرؤية والبرنامج

أعلنت «مواطنون ومواطنات» عن برنامجها للعمل البلدي، ويتدرّج من إعادة تطبيق القانون الذي يرعى عمل البلديات وصولاً إلى تنفيذ مشاريع تساهم في مكافحة الهجرة.
في القانون، يتحدث البرنامج عن التزام البلديات بتنظيم سجلّ خاص بها، يتضمّن أعداد وأسماء شاغلي كل عقار، من لبنانيين وغير لبنانيين، والمؤسسات والعاملين فيها. وأن يتم تحديث السجلّ بشكل دوري، أي أن على البلدية القيام بتعداد المقيمين والعاملين ضمن نطاقها، وإشراك المقيمين في نطاقها، سواء كانوا مسجّلين أو لا، في أنشطتها استشارياً، وجعل اجتماعاتها ومقرراتها وماليتها علنية. وهي نقطة انطلاق لتعترف بأن أعداداً كبيرة من السكان ليسوا من الناخبين، ولتتمكّن من فهم حاجاتهم وتخطيط المشاريع على أساسها.

على مستوى اتحادات البلديات، يطرح البرنامج، التخلّص من الاتحادات بشكلها الحالي، حيث هي في غالبيتها ترجمة لهيمنات سياسية، ولا علاقة لها بمجالات حياة السكان وتنقّلهم. فمثلاً، كيف تُخطط مشاريع لبيروت، منفصلة عن المناطق، أي الضواحي، المرتبطة بها عضوياً، من خلال اتحادات مفروزة طائفياً، كاتحاد بلديات الضاحية الجنوبية، واتحاد بلديات المتن، طارحةً اتحاد بلديات واحداً لبيروت الكبرى يضم المناطق الواقعة بين صيدا وجبيل، انطلاقاً من أن السكان في ضواحي العاصمة، هم مربوطون بها، على مستوى وظائفهم، ودراستهم وطبابتهم، والمشاريع يجب أن تراعي احتياجاتهم وحركة تنقّلهم من وإلى بيروت الإدارية.

وإلى جانب الإشارة، إلى أن قانون «الرسوم والعلاوات البلدية» يحدد قيم الرسوم بالليرة التي فقدت أي قيمة، ما يستدعي تعديله وفق معدلات التضخم ومؤشرات الأسعار، يضيء البرنامج، على صلاحيات عادةً تتجنّب البلديات ممارستها، أو تحمّل مسؤوليتها، مثل السعي إلى تأمين حق السكن، عبر اشتراط أن أي بناء سيُشيّد على أراضٍ تابعة للبلدية، يجب أن يضمّ عدداً من الشقق السكنية الصغيرة المتدنية الكلفة، بغية بيعها أو تأجيرها بأسعارٍ معقولة تناسب الشباب. كما السعي إلى تأمين النقل المشترك الآمن، بين بيروت والمدن البعيدة مثل طرابلس، عبر مشاريع ترعاها البلديتان.