«بيروت مدينتي»: «ثورة» أم «سلطة»؟
مقال من كتابة آلان علم الدين نشر في جريدة الاخبار:
يرى البعض أن «السلطة» هي عبارة عن أفراد، ويركزون جهودهم على تغيير هؤلاء الأشخاص، معتبرين أن وصول مسؤولين جدد وغير فاسدين هو جوهر التغيير. أمّا البعض الآخر، فيدرك أن زعماء اليوم هم معارضو الأمس وأن «السلطة» هي نهج وليست أفرادًا، فيرون أن التغيير هو تغيير النهج، معتبرين أن تبني سياسات على قطيعة مع المنطق السائد هي جوهر التغيير، أي «الثورة» بكامل معنى الكلمة. فأين تقع لائحة «بيروت مدينتي» من هذه المعادلة؟ هل هي لائحة «ثورة» أم لائحة «سلطة»؟
– القيد الطائفي والمحاصصة الطائفية: عام 2016، اقترع حوالى 90 ألف شخص في بيروت لاختيار بلدية تهتم بشؤون أكثر من مليون شخص سجلّ قيدهم في مكان آخر.
الحلّ بسيط، وهو الاقتراع على أساس السكن لا القيد الطائفي-المناطقي، وهو خيار ديموقراطي إذ يتيح للمواطنين اختيار بلدية تهتم بشؤونهم، وخيار ثوري إذ يفرض على المرشحين تبني خطاب يتمحور حول مصالح الناس لا نسبهم الطائفي. لكن «بيروت مدينتي» رفضت تبني هذا الطرح، أي إنها، في حال نجحت في الانتخابات، لن تعمل على حلّ مشكلة عدم التمثيل وزعزعة المنطق الطائفي للانتخابات المقبلة. كما إنها تخضع للمنطق الطائفي عينه الذي أُسّس نظامنا عليه والذي ثُبّت في اتفاق الطائف: فلا «تغيير» عن عرف المناصفة، إذ نصف مرشحيها مسلمون والنصف الآخر مسيحيون، ورأس اللائحة مسلم ونائبه مسيحي. لذا، ليس من المستغرب أن يدعم اللائحة عدد من النواب الطائفيين، كياسين ياسين النائب «التغييري» الذي كان قد صرّح أنه سيقف ضد أي قانون منافٍ للشريعة الإسلامية.
– تبدية الشعارات على المشروع: يتميز زعماء الطوائف بتبني شعارات دون مشروع. فالشعار هو عنوان عريض، غالبًا ما يروق للجميع. أمّا المشروع، فهو تبني خيارات لترجمة الشعار، والخيارات، إذ تبدّي مصالح على مصالح أخرى، لا يمكن أن تروق للجميع. على سبيل المثال، دعت على مرّ العقود «القوات»، كما حزب الله، إلى تسليح الجيش (الشعار)، ولكنّ وزراءهما لم يطرحوا ميزانية لذلك ولم يحدّدوا مصدرًا لهذا الدخل ولم يطرحوا مصدرًا للسلاح (الخيارات).
ويبدو أن لائحة «بيروت مدينتي» تتّبع النهج نفسه، إذ يذكر برنامجها «دولة المواطنة المدنية» و«تفعّل وتطور التعليم والقطاع الصحي» و«العدالة الاجتماعية والبيئية»، ولكن دون تبنّي مشروع لذلك، فهي رفضت تبني الخيارات التي طرحها حزب «مواطنون ومواطنات في دولة» لترجمة هذه العناوين إلى واقع فحسب، دون تقديم خيارات أخرى. وهذا يشمل رفض الدفع نحو تعداد سكاني وهو الخطوة الأولى للنهوض الاقتصادي، فكيف نضع خطة دون معرفة عدد وواقع وخبرات المقيمين بدقّة؟ كما إنها كرّرت منطق «الخطاب المزدوج» للسلطة، إذ يذكر برنامجها أن «إسرائيل كيان عنصري عدو» في حين تتضمن اللائحة مرشحين يطرحون «السلام مع إسرائيل» كخيار واردٍ و«سهل» على حد تعبيرهم.
– التطبيع مع أصحاب المصارف: خسرت بلدية بيروت مليار دولار ابتلعها أصحاب المصارف، عدا عن عشرات المليارات الأخرى التي سرقها أصحاب المصارف من جيوب المواطنين والنقابات والمؤسسات الأخرى، لا سيما في العاصمة. لذا، لا بدّ من العمل على تحميل البنكرجيين عبء الخسائر لإنهاض المجتمع الاقتصادي. أمّا برنامج «بيروت مدينتي»، فلا يأتي إطلاقًا حتى على ذكرهم. وهذا ليس بمصادفة، إذ إن النواب «التغييريين» الداعمين للائحة عم أنفسهم من منحوا الثقة لحكومة المصارف (11 وزيراً من أصل 24 هم أعضاء في مجالس إدارات ومحامي المصارف). هذا عدا عن إعلان عدد منهم بصريح العبارة أنه يجب ألا توزّع الخسائر على البنكرجيين بل على «الدولة»، مكررين خطاب زعماء الطوائف ونهج مَن يتوقون للحلّ محلّهم.
طبعًا، لا يعني كل ما سبق أن نيّة أعضاء اللائحة عاطلة أو أنهم أشخاص سيئون. فقد يتمايزون فعلًا عن الزعماء التقليديين من الناحية الأخلاقية أو حتى المهنية. وهكذا يقدّمون خيارًا حقيقيًا لمن يريدون تغييرًا في الوجوه لا في النهج. وهنا لا بدّ من التذكير أن لا أحد من الزعماء الحاليين كان هناك حين وقع بلدنا في الحرب عام 58 أو عام 75. فاستمرار السلطة ليس استمرارًا لأشخاص سوف يُستبدلون أو يشيخون ويموتون، بل استمرار لنهج. وهذا ما يبرّر وجود لائحة تحمل مشروعًا سياسيًا ثوريًا، مشروعًا على قطيعة مع المنطق الطائفي السائد ويطرح خيارات اقتصادية حقيقية للعاصمة والمجتمع ويحمّل أصحاب المصارف عبء الخسائر، أي «لائحة لدولة».