عيترون تتحول إلى القنيطرة، بعلم الجميع…
مقال من كتابة جميل فارس، عضو في حركة مواطنون و مواطنات في دولة
تعيش بلدة عيترون مع جاراتها من قرى الحافة الأمامية حالة من الإهمال المتعمد، بين غياب مياه الشفة وانقطاع الخدمات العامة، التي تحولت إلى خدمات خاصة لا يحصل عليها محتاجوها إلا كلّ بحسب استطاعته وموارده ووسائطه. وكأن هناك من يسعى لإفراغها حتى من القلة العائدة من أهلها! لتصبح مجرد معلم أثري خالٍ من كل أسباب الحياة!
هذا فيما سارعت الجهات المعنية إلى إطلاق عملية إزالة الركام عبر تلزيمات غير قانونية، وقبل أن يستفيق المتضررون على استحالة نيل تعويضاتهم التي تخولهم بناء مساكن أقل كلفة، أصبحوا بين مطرقة الحرب وسندان التعويضات. واستكملت نكبتهم بنهب حديد منازلهم مقابل عملية التجريف المدفوعة الأجر أصلاً عبر مجلس الجنوب، فيما يقوم بعض أعضاء المجلس البلدي بالاستثمار بما لا يجيزه القانون، وبعمليات سمسرة على حساب المنكوبين، بالإضافة إلى تدمير ملاعب رياضية نجت من الاحتلال، مع تأمين مكبات للردم على نفقة المجلس البلدي لحساب المتعهد!
إن مصير القرى الحدودية سيشبه مصير القرى السبع عما قريب إذا ما بقي الإهمال السياسي والخدماتي سيدا الموقف، الكل يرى تشابه الظروف وكأن خلافاً بدأ على هوية القرى الحدودية! وهي التي لمّح الاحتلال في بداية حرب الإسناد لجعلها منطقة عازلة حتى تحين ساعة تثبيت الترتيبات الإقليمية الجديدة، وقد يمتد الأمر على كامل جنوب الليطاني! ويترافق ذلك مع قيام أطروحات ساقطة بين الأقليات الساعية لطلب الحماية من إسرائيل، كما نرى في سوريا!
فما مصير قرى قضاء بنت جبيل بعدما شهدت في بادئ الأمر حماساً لإعادة الإعمار تجسد بتوافد جزء من أهلها ولا سيما الذين لا يملكون خيارا آخراً؟ في البداية بدا وكأن تأخر العودة مُبَرَر بانتظار إتمام العام الدراسي. لكن سرعان ما تبدد الحماس مع انعدام التعويضات للذين أنفقوا مدّخراتهم في أيام الحرب، أو ما استطاعوا إنقاذه واقتطاعه من مدّخراتهم إثر انهيار عام ٢٠١٩، وعادوا صفر اليدين ليواجهوا استحالة الوصول الى أراضيهم الزراعية بعد دمار بيوتهم، مع غياب وزارة الزراعة عن المشهد مثل باقي الوزارات.
قضية القرى الحدودية هي قضية قد لا تجد لها آذانا صاغية في زحام الانقسام والتفكك المجتمعي بعدما حلت الطائفية الممأسسة محل عقود من إهمال الإقطاع السياسي، فكانت قائدة لمراحل الخمول ثم التلاشي السياسي والاجتماعي. ذلك في بلد يحتضر، مع الرضى التام من قبل سلطته ورفض الخوض في توفير بديل عن النظام السياسي الذي تحلل بانكشاف الإفلاس المالي والتعاطي المجرم معه، وآثار ذلك على حصانة المجتمع. وبذلك بات لبنان اليوم محاصرا بإفلاس مؤسساته المدنية والعسكرية وبنزيفه البشري وبرغبات المحيط، ومحكومًا بنتائج حرب طاحنة لم تُلحظ خلالها ولا بعدها في موازنات الدولة أية اعتمادات، خاضعًا لمنطق التسول من الخارج ومستسلمًا لإملاءاته وشروطه. كل ذلك ضمن نظام المحاصصة الطائفية وبرعايته، والأهم بوزير مالية جنوبي شيعي.