برنامجنا للعمل البلدي
برنامج حركة “مواطنون ومواطنات في دولة” ليس لائحة وعود وأوهام، وليس منفصلا عن الواقع المأزوم للدولة في لبنان، لأن البلديات، بدءا بالكبرى بينها، ليست معلقة في السماء ولأن اللبنانيين واللبنانيات ليسوا فقط أبناء الأسر المحلية، بل هم محكومون، في حياتهم اليومية، بهموم وبطموحات تحددها السياسات العامة، المعلن منها والمبطن.
والبلديات جزء من البنيان المترهل للدولة، وليست منفصلة عنه، وتحدّ حركتها ثلاثة سقوف كل واحد منها أدنى من الذي يسبقه: سقف القوانين العامة ولا سيما قانون البلديات، فسقف الأعراف التي شوهت القوانين العامة وقزّمت أدوار البلديات الملحوظة في قانونها، فسقف موارد غالبيتها العظمى، المالية والبشرية.
لذا يتدرج البرنامج، في كل من مواضيعه، وفق خمس محطات لربطه بالواقع أولاً، وبالسقوف التي يصطدم فيها كل طرح مفيد، ثانياً، إن على صعيد القوانين التي ترعى العمل البلدي أو على صعيد السياسات العامة، ولتبيان عناوين المواجهات المتوقعة والمصالح المرتبطة بها، ثالثاً. المحطات هي:
- معاينتنا للوضع الحالي: بين القانون والممارسة
- مشروعنا للعمل البلدي ضمن الاطار القانوني الحالي
- معاينتا للحدود والعقبات وعناوين المواجهات
- مشروعنا لرسم الإطار المؤسساتي للخدمات العامة بين البلديات والدولة
- معاينتنا للمصالح والسياسات والخيارات والمحدات
تم تصنيف المواضيع التي يتناولها البرنامج ضمن أربع فئات رئيسة ووفق عشرة عناوين فرعية تتوزع على الفئات الأربع:
المؤسسيّات
البلدية سلطة منتخبة وليست منصة وجاهة. لذا لا ينفصل أداؤها المؤسسي عن الانتظام العام للدولة وللمجتمع.
اختلاف السكان عن الناخبين
معاينتنا للوضع الحالي: بين القانون والممارسة
مبرر الإدارة المحلية هو قرب السكان ممن يدير أمورهم الحياتية.
40% من المقيمين غير لبنانيين وثلثا اللبنانيين لا يقيمون حيث هم مسجلون.
من يدفع الرسوم ومن يمكنه أن ينتفع من الخدمات لا يصوت ولا يراقب.
الإقامة تحولت منذ الاستقلال إلى شبكة للهيمنة السياسية على العائلات والطوائف وفقدت معناها الأصلي.
اتحادات البلديات في غالبيتها ترجمة لهيمنات سياسية ولا علاقة لها بمجالات الحياة والتنقل وخير مثال بيروت وضواحيها.
مشروعنا للعمل البلدي ضمن الاطار القانوني الحالي
تعداد المقيمين والعاملين ضمن نطاق البلدية من لبنانيين وغير لبنانيين وإشراك المقيمين في نطاقها سواء كانوا مسجلين أو لا في أنشطتها استشاريا، وجعل اجتماعاتها ومقرراتها وماليتها علنية. وفي هذا السياق تسمية الشوارع وترقيم الأبنية لتثبيت عناوين الشقق والوحدات الاقتصادية.
معاينتا للحدود والعقبات وعناوين المواجهات
لا تستطيع البلدية تغيير قوانين الإقامة لجعلها تتطابق مع واقع الإقامة كما أنها لا تستطيع تعديل حدود البلديات لجعلها تغطي مساحات وأعدادا من المقيمين تؤهلها لحشد الموارد البشرية والمالية الكافية للقيام بمسؤولياتها.
مشروعنا لرسم الإطار المؤسساتي للخدمات العامة بين البلديات والدولة
استعادة المعنى الأساسي والمفاعيل السياسية والرقابية والخدماتية للإقامة تمر من خلال تعداد المقيمين، من لبنانيين وأجانب، وذلك دون تصنيفهم قسرا ضمن طوائف لأن الدستور اللبناني ينص على أن حرية الاعتقاد مطلقة”.
وإعادة رسم حدود البلديات واتحادات البلديات وفق المعطيات الطبيعية والسكانية الواقعية كي تصبح قادرة على القيام بمسؤولياتها فعليا.
معاينتنا للمصالح والسياسات والخيارات والمحطات
هذا التعداد يجعل المجتمع السياسي يشبه المجتمع الواقعي ويضرب البنيان السلطوي القائم، بلديا ونيابيا، على إنكار الوقائع الاجتماعية والاقتصادية وعلى أسر المواطنين والمواطنات في أطر عائلية وطائفية مغلقة تفصل بين بعضهم البعض وبينهم جميعا وهمومهم وطموحاتهم الفعلية.
وعليه فإن المسألتين المطروحتين (الإقامة وحدود الوحدات المحلية) تصيبان النظام السلطوي في الصميم وتمثلان، إذا حسمتا، انتقالا نوعيا نحو تأسيس دولة فعلية مدنية وديمقراطية.
صلاحيات البلدية ومسؤولياتها وأموالها
معاينتنا للوضع الحالي: بين القانون والممارسة
ينص قانون البلديات على أنّ “كل عمل ذي طابع أو منفعة عامة، في النطاق البلدي، هو من اختصاص المجلس البلدي”، و”تكون للأنظمة التي يصدرها المجلس البلدي في المسائل الداخلية ضمن اختصاصه صفة الإلزام”.
كما يعطي القانون للبلديات شخصية معنوية مستقلة واستقلالا ماليا.
أما في الواقع، فلا تهتم البلديات إلا ببعض الأنشطة انتقائيا (طرقات داخلية وجدران دعم وفي الحد الأقصى بعض الحدائق والملاعب الرياضية الصغيرة) بينما تتنازل عن سائر مهامها للسلطات المركزية فتستجدي منها هذا المشروع أو ذاك، باستثناء ما يقارب عشر بلديات قامت بجهد ملحوظ في مجال فرز النفايات ومعالجتها.
كما أن أيا من البلديات الألف في لبنان لم تبادر إلى مقاضاة الدولة:
- لانتهاكها القانون بعدم فتحها حسابا مستقلا للصندوق البلدي المستقل في مصرف لبنان،
- ولا لمخالفتها الدستور والقانون بعدم وضع موازنات عامة تسمح بتقدير إيرادات الصندوق البلدي المستقل وبالتالي إيرادات كل بلدية منه، وتحول بالتالي دون تمكن البلديات من وضع موازناتها،
- ولا لوضع يدها تعسفا على أموال البلديات من الرسوم التي تجبيها لصالحها كل من وزارة الاتصالات ومؤسسات الكهرباء والمياه،
- ولا لحسم الجزء الأكبر من عائداتها بحجة تغطية كلفة عقود معالجة النفايات التي لم تطلع البلديات عليها بتاتا.
مشروعنا للعمل البلدي ضمن الاطار القانوني الحالي
مقاضاة الدولة لاسترجاع حقوق البلدية المالية، ولو كانت الثقة بمجلس الشورى هي أيضا موضع امتحان.
ممارسة رقابة مشددة على أداء كل من الوزارات والمؤسسات العامة لمسؤولياتها في نطاق البلدية واعتماد سبل المراجعة كافة حيال أي تقصير، من قضائية وشعبية.
إنشاء مصرف التنمية المحلية: ألفا مليار ليرة من عائدات البلديات من الرسوم على الهاتف الخلوي تمت سرقتها خلال السنوات العشرين الماضية دون مسوغ قانوني.
هذا المبلغ الضخم متراكم وغير متكرر، في حين أن الحاجات التنموية تتخطى في غالبيتها نطاقات البلديات والاتحادات وقدراته. توافره يشكل فرصة لإرساء منطق التكامل على قواعد جغرافية واجتماعية بين البلديات، ما يعطي مضمونا ايجابيا لمقولات الانماء المتوازن واللامركزية.
لذا يجدر استخدامه، كله أو معظمه، لتكوين رأسمال “مصرف التنمية المحلية، أسوة بالتجارب الناجحة في بلدان عدة.
يعتمد المصرف الآليات المالية الاحترافية بحيث يتم:
- فصل الحصص في ملكية رأس المال عن توزع الاستفادة
- اعتماد نهج “تمويل المشاريع” اساسا لعمله مع تطبيق معايير محددة للجدوى والاعتماد على قدرة المشروع بذاته على التسديد قبل اللجوء الى ضمان الهيئات البلدية المستفيدة
- تنسيب المسوؤلية عن المشاريع الى كل من الدولة والاتحادات البلدية والبلديات بحسب طبيعة المشروع الممول وتدرّج منافعه على الصعيدين الوطني والمحلي وهذا ما يعزز الصيغ التعاقدية بين هذه الاطراف ويوزع الاعباء وفق المنافع الاقتصادية الفعلية
- الاحتفاظ بامكانية تقديم سلف قصيرة الاجل للبلديات لمواجهة حاجات ظرفية او ملحة مقابل ايراداتها المؤكدة اللاحقة.
يمكن تمييز ثلاث فئات من المشاريع لناحية قدراتها على توليد العوائد المالية:
- مشاريع لها مردود مالي مباشر مثل شبكات النقل العام
- مشاريع تولد كسباً اقتصادياً لفئات محددة يتطلب تحويلها الى ايرادات مالية ووضع رسوم او ضرائب محددة مثل تجهيز الاراضي بالخدمات والشبكات والتي يجري تحصيل جزء من تحسين قيمتها من خلال الرسوم العقارية
- مشاريع تولد كسباً مباشراً للبلديات من خلال مشاركتها في ملكيتها مثل استخدام المشاعات والأملاك البلدية.
كل مشروع يجري تمويله وفق الآلية المذكورة يستدعي إقامة ادارة متخصصة وكفؤة له. وبحسب طبيعة المشروع واتساع رقعته وتعدد الهيئات المستفيدة منه يكون المقترض بلدية واحدة او مجموعة من البلديات او ادارة عامة او مؤسسة عامة او اي ائتلاف بين الهيئات المذكورة اعلاه واطراف من القطاع الخاص وفق الانظمة الراعية لذلك.
معاينتا للحدود والعقبات وعناوين المواجهات
استعادة أية بلدية لمسؤولياتها ومقدراتها المالية والقضائية والشعبية يعدل جوهريا في النظام السلطوي لأنه يجعل منها، وفق القانون ومبررات وجودها، سلطة ذات شرعية بدل كونها مجرد رتبة في رتب الوجاهة.
مشروعنا لرسم الإطار المؤسساتي للخدمات العامة بين البلديات والدولة
لا يستقيم تزاوج سلطة مركزية وسلطة محلية، كلاهما ذات شرعية تمثيلية، دون تحديد واضح لمسؤوليات كل منهما. هذا يعني أن إخلال أي منهما بمقتضيات دوره يكون ظاهرا للعيان ويكون معلوما مَن المسؤول عنه (لذا يجب التكلم عن مسؤوليات وليس عن صلاحيات، لأن المسؤولية تفترض المحاسبة). وعليه تصبح للديمقراطية معنى واقعيا، فتكون البلدية مسؤولة أمام سكانها، ويكون السكان قادرين، عبر بلديتهم، على محاسبة السلطة السياسية المركزية. كما يتبين أي قصور تنظيمي لناحية حدود المسؤوليات وحجم الموارد المتوافرة.
معاينتنا للمصالح والسياسات والخيارات والمحطات
تحديد المسؤوليات والموارد بين البلدية والدولة يرسي قواعد المساءلة التي هي، قبل الانتخابات، أساس النظام الديمقراطي لأنها تجعل الرقابة الشعبية واقعا فعليا.
وعليه فإن المسألتين المطروحتين (تحديد المسؤوليات والموارد) تصيبان النظام السلطوي في الصميم وتمثلان، إذا حسمتا، انتقالا نوعيا نحو تأسيس دولة فعلية قادرة وديمقراطية.
الاقتصاديات
ضرورات الإنتاج وإعادة الإنتاج تفرض حاجات موضوعية هي أشد وطئا من أية خدمات والتغاضي عنها يؤبد الاستغلال ويضرب مفهوم الدولة في أساسه.
حاجة السكن
معاينتنا للوضع الحالي: بين القانون والممارسة
على كل الأراضي اللبنانية، وفي المدن والضواحي بشكل خاص، وفي بيروت بشكل أخص، باتت أسعار الأراضي مرتفعة إلى حد يجعل تأمين المسكن اللائق للبنانيين ولا سيما للشباب الذين يحصلون دخلهم من العمل في لبنان حلما مستحيل التحقيق. في وسط بيروت مثلا ارتفع سعر متر الأرض بين 1994 و2014 ثلاثين ضعفا خلال عشرين سنة. وذلك يعود إلى المضاربات العقارية وإلى إعفاء أرباح المتاجرة بالأراضي من أية ضرائب في حين تخضع عوائد الإنتاج، من أجور وأرباح لشتى أنواع الضرائب. فيضطرون إما إلى الهجرة وإما إلى الاستدانة لعشرات السنين لتملك مساكن في أماكن بعيدة ويهدرون ساعات طويلة يوميا على الطرقات، في حين تشيّد المباني السكنية الفخمة وتبقى شاغرة إلا من النواطير لتباع شققا إلى الأجانب أو المغتربين، وتراكم بعض البلديات، ولا سيما بلدية بيروت أموالا طائلة تخبئها في المصارف ولتمويل الصفقات. وقد أتى قانون الإيجارات، مع إبطال أجزاء منه، ليشكل مهزلة إضافية ترمي إلى تهجير المستأجرين القدامى وتصفية المالكين القدامى لصالح المضاربين.
كل الكلام عن “الحق بالسكن” المنصوص عليه في الشُرع والمعاهدات الدولية مجرد كذب.
مشروعنا للعمل البلدي ضمن الاطار القانوني الحالي
للبلديات وسيلتان أساسيتان يمكنها من خلالهما التأثير بعض الشيء على أوضاع السكن: الأملاك البلدية ورخص البناء.
على البلديات التي تشهد حاجات سكنية، إما بسبب النزوح إليها أو بسبب التزايد السكاني وتقلص حجم الأسر أو بسبب تردي قسم من الأبنية السكنية القائمة أو وجود أبنية سكنية غير شرعية، أن تخصص جزءا من أملاكها البلدية لتشييد مبان سكنية يتم تأجيرها بشروط متهاودة نظرا لتحررها من الارتفاع المصطنع لأسعار الأراضي، إنما وفق معايير محددة ومعلنة (أولوية للأسر الشابة تحديدا، تلافيا للهجرة).
للبلديات أن تشترط، لمنح رخص البناء للمنشآت السكنية، أن يتضمن برنامج المشاريع السكنية التي سوف تشاد، عددا من “الوحدات الاجتماعية” تستوفي مواصفات مادية معينة وتباع أو تؤجر وفق شروط مالية تسمح للأسر المحدودة الدخل، ووفق آليات اختيار محددة ومعلنة (كما أعلاه)، بالإقامة فيها ما دامت تستوفي شروط الدخل المذكورة.
معاينتا للحدود والعقبات وعناوين المواجهات
سوف يواجه هذا المشروع على صعيد بلدية معينة بنوعين من العقبات:
- عقبات عقارية، إذ أن البلديات لا تتمتع كلها بأملاك عامة مناسبة لناحية المساحة والموقع لتشييد مبان سكنية اجتماعية. كما أن قسما من البلديات، حيث الطلب على السكن محدود وأسعار الأراضي مرتفعة نسبيا، قد تضطر لتخفيض شروطها لمنح الرخص خشية تراجع المطورين عن تقديم طلبات الرخص ضمنها.
- وعقبات اجتماعية، لأن اللبنانيين فقدوا خلال العقدين الأخيرين ما عاشوا عليه لقرون، أي الاختلاط الطبقي، وبات بعضهم يأنف السكن في أحياء تلتقي فيها أسر ذات مستويات دخل متفاوتة.
وعليه فإن عملا إجرائيا كهذا سوف يطرح مسالتين في غاية الأهمية: مواجهة تسلط رأسالمال الريعي ونزعات التمييز الطبقي.
مشروعنا لرسم الإطار المؤسساتي للخدمات العامة بين البلديات والدولة
مواجهة هاتين المسألتين تستدعي سياسات عامة تشمل الحقل الضريبي والحقل التنظيمي.
- على الصعيد الضريبي، لا يجوز الاستمرار بإعفاء الأرباح الناجمة عن ارتفاع أسعار الأراضي من الضريبة، وذلك لثلاثة أسباب رئيسة: أولا لأن هذا الارتفاع لا فضل لمالك الأرض فيه بل هو ناجم عن تطور الاقتصاد عموما ولا يجوز أن يستحوز عليه المالك بشكل كامل، ثانيا لأن تطور العمران يرتب أكلافا كبيرة على المجتمع ولا يصح ألا يمول من يستفيد من ارتفاع أسعار الأراضي النفقات التي تولد هذا الارتفاع وتحافظ عليه، وثالثا لأن إعفاء هذه الأرباح التي لا تخلق ثروة بل تعيق الإنتاج وترفع كلف المعيشة، في مقابل فرض الضرائب على الانتاج والاستهلاك، يدفع الرساميل إلى تفضيل المضاربات العقارية الريعية على الاستثمار المنتج.
- على الصعيد التنظيمي، لا يجوز الاستمرار باعتبار كل الأراضي قابلة للإفراز والبناء، لأن ذلك يؤدي، من ناحية أولى، إلى تدمير المواقع الطبيعية والزراعية والتراثية وإلى تحويل السعي لإيجاد مناطق صناعية أو مطامر صحية للعوادم مهمة شبه مستحيلة، ومن ناحية ثانية إلى تشتيت العمران وإلى جعل شبكات الطرقات والخدمات تزداد طولا بشكل غير قابل للاحتمال قياسا على حجم السكان.
وعليه، فإن امتناع السلطة العامة عن اعتماد نظام ضرائب عقارية فعال وتصنيفا محددا لاستخدامات الأراضي يؤدي إلى الإطاحة بالمقدرات الطبيعية للبلاد ويعوق الاقتصاد بسبب ما يلقيه من أعباء عليه.
معاينتنا للمصالح والسياسات والخيارات والمحطات
رفع عبء الاقتطاع الريعي والتعامل مع المعطى الطبيعي من منظار المحافظة عليه بدل استهلاكه يصطدمان بكتلة كبيرة ومتماسكة من المصالح وإنما أيضا بشعور بات منتشرا بين اللبنانيين بأن لا مستقبل لهم على المدى الطويل في أرضهم ولا رادع بالتالي عن تصفيتها إذا كان الثمن مناسبا. على أهمية تبعاتها الاقتصادية والبيئية فإن المسألة تتعلق بخيار جوهري يطاول طبيعة المجتمع واطمئنان الفرد إلى مستقبله.
حاجة العمل
معاينتنا للوضع الحالي: بين القانون والممارسة
يدور الكلام عن “سوق العمل” وكأن العمل سلعة، في حين أنه مورد عيش البشر. في لبنان ليس العمل وحده الذي تحول إلى سلعة بل البشر أنفسهم، نصدرهم ونستوردهم. ونكاد لا نصدر شيئا آخر، فننهش مجتمعنا نهشا.
خلال الحرب والفترة التي تلتها، هاجر حوالي مليون ونصف لبناني، وتم استقدام أو استقبال عدد مواز من الأجانب. بات الأجانب يمثلون قرابة نصف القوة العاملة. وبسبب ارتفاع أكلاف المعيشة وضمور فرص العمل ومنافسة اليد العاملة الأجنبية، راح اللبنانيون يبحثون عن وظائف في الدولة لتأمين عيشهم فيبتزهم الزعماء الطائفيون بلقمة عيشهم.
خلافا لما يتصور االكثيرون، نصف العاملين في لبنان لم يتخطوا مستوى التعليم الابتدائي، ونصف العاملين يتركزون في المهن البسيطة المتدنية الانتاجية (النقل وتجارة التجزئة والخدمات للأفراد). أقل من ثلث العاملين يتلقون أجرا شهريا ثابتا نظاميا. أما البطالة فتزداد كلما ارتفع مستوى التعلم، وهي تضم إضافة إلى الذين يصرحون أنهم عاطلون عن العمل الذين هاجروا لأنهم لم يجدوا عملا في بلدهم والنساء اللواتي أحجمن عن البحث عن عمل، إذ أن نسبة مشاركة الإناث في العمل لا تتخطى 22% مقابل 70% للذكور.
مداخيل العمل، على أشكاله، لا تتعدى 28% من الدخل الإجمالي المتاح، مقابل 47% لمداخيل رأس المال، وأبرز بنودها المداخيل الريعية من الفوائد والأرباح العقارية، و25% للمداخيل الآتية من الخارج والتي لا تدخل في الناتج المحلي. والنظام الضريبي يصيب أساسا الاستهلاك ويستثني بالكامل المداخيل الريعية والمداخيل من الخارج، فيزيد من حدة التفاوت.
مشروعنا للعمل البلدي ضمن الاطار القانوني الحالي
لا تستطيع بلدية معينة تعديل هذه الصورة المأساوية. لكن ذلك لا يعفيها من مسؤوليات منها:
- السهر على تطبيق قانون العمل وأنظمته والمعاهدات الدولية، وما تنص عليه من شروط تتعلق بسلامة العمل وبدوامه وبالصرف منه
- التشاور باستمرار مع أصحاب المؤسسات الإنتاجية ولا سيما تلك التي تخلق فرص عمل لتوفير ما تحتاجه من تسهيلات لتنشيط عملها وتعزيز إنشاء مؤسسات جديدة، ولا سيما على الصعيد العقاري وفي مجال الخدمات العامة
- تحصين الحريات النقابية والتصدي لقمع النقابات ولوضع اليد عليها من قبل المتنفذين
- التنسيق مع مفتشي وزارة العمل والضمان الاجتماعي لناحية احترام قواعد الأجر والتصريح عن الأجراء
- تنظيم عروض العمل والطلبات ونشرها والتنسيق مع المؤسسات الاقتصادية لناحية تدريب العاملين وتحسين فرص إيجاد الوظائف
- السهر على احترام حقوق العاملين والعاملات الأجانب، لا سيما العاملات في الخدمة المنزلية ومساندتهن في وجه أية تعديات
- السهر على قانونية عمل الأجانب
معاينتا للحدود والعقبات وعناوين المواجهات
يبقى أن الوضع الاقتصادي الراهن ناجم عن نهج متكامل قوامه تصدير اليد العاملة، لا سيما الشابة، مقابل استقدام الرساميل والتحويلات المالية، تستخدم لتمول العجز في الميزان التجاري وتعزز الأنشطة الاقتصادية المتصلة بالاستهلاك على حساب حلقات الإنتاج.
ولا يخفى ما يتصل بهذا النهج من مصالح ومن قوى.
مشروعنا لرسم الإطار المؤسساتي للخدمات العامة بين البلديات والدولة
الهدف الانتقال من اقتصاد ريعي يستهلك موارد المجتمع إلى اقتصاد يعيد القيمة للإنتاج وللعمل، ويصحح الاختلال الحاصل بين عوامل الإنتاج والذي فاقمه النزوح السوري.
معاينتنا للمصالح والسياسات والخيارات والمحطات
دون هذا الانتقال صعوبات جمة منها مديونية الأسر وارتباط أعداد كبيرة من اللبنانيين بمصالح يعتبرون أنها تشكل حماية لهم وملاذا، سواء عبر نظام الزبائنية والابتزاز الذي يلازمه أو عبر العمل في الأنشطة الرديفة التي ولدها هذا النمط على حساب تراجع الأنشطة الإنتاجية والإدارة النظامية.
لذا يجدر التنبه من ناحية أولى إلى التخويف الدائم الذي يعمد إليه أرباب هذا النهج الاقتصادي السلطوي لثني اللبنانيين عن أي مسعى لتعديله، كما يجدر العناية، متى سنحت إمكانية تعديل النهج، بالمرحلة الانتقالية كي لا يتأذى الذين باتوا أسراه ويدفعوا مرة ثانية ثمن النهب الذي سبق وعانوا منه خلال ربع القرن الماضي.
حاجة والحركة والإتاحة: بشر، سلع، معلومات
معاينتنا للوضع الحالي: بين القانون والممارسة
تتركز شكاوى الناس على زحمات السير، لا سيما عند مداخل المدن، وبالأخص بيروت، وبإضاعة ساعات طويلة يوميا للتنقل بين المسكن والعمل. قليلون يعرفون أن 1100 شخص يموتون كل سنة بحوادث السير، غالبيتهم من الشباب، وأن هذه النسبة هي من الأعلى في العالم قياسا على عدد السكان، فهي أربعة أضعاف مثيلتها في فرنسا وخمسة أضعاف مثيلتها في السويد. وقليلون يعرفون أن 60% من قتلى حوادث السير في بيروت هم من بيروت وتكاد تنحصر المطالبة على المزيد من الطرقات ومن المرائب.
لكن الوقائع أكثر خطورة. فهدر الوقت والمال والأرواح ليس سوى نتيجة ملازمة لنمط استخدام الأراضي حيث ينتشر العمران على كامل مساحة الأراضي دون أي تحديد وظيفي عقلاني، ويجري تحوير استخدام الشبكات (أوتوسترادات تتحول إلى شوارع تجارية وشوارع إلى مداخل لمرائب وبراح السكة إلى شارع…) لخدمة المصالح العقارية الفردية على حساب الصالح العام، وبفعل الريوع العقارية ونظام النقل المعتمد حصريا على السيارات الخاصة، يتم ترسيم حدود طبقية وعصبية تحول المساحات العامة إلى مساحات طرد وتولد شبكات التفافية وخطوطا عازلة حتى ضمن االمدينة الواحدة (مثلا منطقة سوليدير في بيروت وسائر المحميات الأمنية المغلقة).
مشروعنا للعمل البلدي ضمن الاطار القانوني الحالي
البلدية مسؤولة مباشرة وحصريا عن كل الطرقات في نطاقها ما عدا الطرق المصنفة خطوطا وطنية، وهي مسؤولة كذلك عن النقل العام.
تتوقف قدرة البلديات على معالجة مسائل الحركة والإتاحة على حجمها وعلى كثافتها. ففي المدن الكبرى، ولا سيما في بيروت التي تجلس بلديتها على ثروة من ألف مليار ليرة، يعود للبلديات إقامة أنظمة للنقل العام للتخفيف من إضاعة الوقت وهدر المال ولخفض التلوث والحوادث ولتحرير الشوارع من السيارات المتوقفة، مع تخصيص مسارب لسيارات الأجرة لتسهيل حركتها وتنظيم نقاط توقفها. وأبرز المشاريع المطلوبة إقامة شبكة مترو قائمة على حلقتين، وفق ما كان مصمما أصلا في الثمانينات، قبل أن يلغى المشروع كي لا تقام المحطة المركزية في وسط بيروت، تفاديا لتلاقي الناس من كل المناطق والطبقات فيه.
لكن حتى في هذه الحالة لن تكتمل جدوى شبكة كهذه ما لم تغطِّ الضواحي الذي ينطلق منها غالبية السكان، ما يستوجب تنسيقا مع البلديات المجاورة. هذا غير متاح طبعا في البلدات الصغيرة. إنما في كل الأماكن، يترتب على البلديات العناية جديا بالسلامة المرورية وتأمين شروط الانتقال السلس، مشيا بما في ذلك للمعوقين حركيا أو باستعمال الدراجات، وذلك من خلال جعل الأرصفة مطابقة للمواصفات وخالية من العوائق والأفخاخ كما هي الحال اليوم. ويكفي مقارنة الأرصفة المبلطة بالرخام في وسط بيروت الفارغ من السكان بوضعها المذري في سائر أحيائها حيث يعيش الناس.
معاينتا للحدود والعقبات وعناوين المواجهات
إلى جانب ضرورة وضع إطار مؤسسي للتنسيق بين البلديات المتجاورة، لا سيما المدن وضواحيها، تصطدم أي سياسة جدية للحركة والإتاحة بعقبات يجب التنبه إليها ومعالجتها:
- تورم القوى العاملة في مجال النقل، من سائقين ووورش تصليح ومحلات بيع السيارات إلخ.، وجلهم بالكاد يستطيع تأمين قوته وما كان ليستمر في عمله لولا ربطه بالتغطية الصحية من قبل الضمان الاجتماعي
- استخدام أصحاب النفوذ لشبكات النقل لمصالحهم الخاصة كالبناء على الأوتوسترادات واستخدام الشوارع لركن السيارات لزبائنهم حصريا أو كمداخل لمرائبهم وصولا إلى إغلاق مناطق بأكملها على الحركة، وذلك كفيل بإجهاض الجدوى التقنية للشبكات والتجهيزات والمجالات العامة
مشروعنا لرسم الإطار المؤسساتي للخدمات العامة بين البلديات والدولة
لا تنفصل سياسات الحركة والانتقال عن نمط استخدام المجال. فالأنشطة والإقامة محكومة بالتركز لما يوفر من فرص تسويقية للمؤسسات ومن فرص عمل للعاملين ولتعزيز كل من هذين العنصرين العنصر الآخر. وعليه لم تعد المواقع تمتاز بخصائصها الطبيعية كخصوبة الأرض أو توافر المياه كما في المجتمعات الزراعية، بل بدرجة بلوغيتها، وهي نتيجة التجهيزات العامة.
من هنا لا بد من الانتقال من منطق «النقل» المقيّد أو المكره إلى منطق «الحركية المختارة» أو “الإتاحة” بحيث يصبح متاحا لكل فرد بلوغ مقاصده للعمل أو للتسوق أو للترفيه أو للمشاركة في الحياة العامة دون قيود ودون تكبد أعباء باهظة ودون تمييز.
معاينتنا للمصالح والسياسات والخيارات والمحطات
لا يصح النظر إلى تنقل البشر بمعزل عن انتقال البضائع والمعلومات. فكل توزيع جغرافي للأنشطة وللإقامة يولد الإثنين معا، ويزيد من ضرورات انتقال البشر أو يقلل منها كلما كانت الأنشطة بعيدة أو قريبة من أماكن الإقامة. التوزع الجغرافي للأنشطة والإقامة يحكم بالتالي نظام الحركة ويترجم هيكلة السلطة للمجال الجغرافي في البلاد، توحيدا أو تقسيما. كما أنه يحكم قدرة الاقتصاد التنافسية تجاه الخارج.
من هذا المنظار، تختلف المصلحة العامة: خفض الكلف وتوحيد المجال الاجتماعي والاقتصادي، مع المصالح الريعية الخاصة: تمييز المناطق الثرية عن مناطق “أبو رخوصة” لرفع أسعار الأراضي وتهميش غير المرغوب بهم، والفرز الطبقي والطائفي لتعزيز هيمنة المتسلطين المحليين وللضغط حصولا على المزيد من الإنفاق العام على تجهيزات متكررة وقليلة الفاعلية…
ولا يخفى ما لتصادم هاتين الوجهتين من أهمية قصوى، اقتصاديا، وإنما سياسيا أيضا على الانتظام العام للدولة وللمجتمع.
الخدميات
أبعد من الحاجات الملازمة للإنتاج وإعادة الإنتاج، وما تفرض أنماطها من آليات تجارية، حققت المجتمعات مكاسب على حساب أصحاب السلطة الاقتصادية، فتحولت هذه المتكتسبات حقوقا.
الحق بالخدمات العامة: كهرباء، ماء، هاتف
معاينتنا للوضع الحالي: بين القانون والممارسة
وفق القوانين النافذة، يعتبر الوصول إلى خدمات الكهرباء والماء والاتصالات حقا مكرسا لكل اللبنانيين، وفق مبدأ وجوب شمولية الخدمة.
لكن الفشل الذريع للسياسيات المالية المتبعة منذ مطلع االتسعينيات أدى إلى اعتماد سياسة تقشف قاسية غير معلنة بدءا من سنة 1997 ، ترجمت وقفا كاملا للاستثمارات وللصيانة في مجالات الكهرباء والمياه والاتصالات. فشهدت هذه الخدمات تراجعا مريعا.
اضطر الناس إلى اعتماد وسائل بديلة، من مولدات وآبار وسيترنات وكابلات. فوصلنا إلى حالة مأساوية حيث يؤمن استهلاك الكهرباء والمياه والاتصالات إنما وفق نظام مزدوج، من المؤسسات العامة المعنية ومن الموردين غير الشرعيين، بأكلاف مضاعفة وبنوعية متردية، ما يعني خسائر اقتصادية وبيئية هائلة، وتكبيدا للأسر وللمؤسسات ضرائب مرهقة غير معلنة. وسرعان ما تنظمت في الأحياء شبكات أمر واقع تقاسمت الخدمات البديلة كل منها في رقعة هيمنتها.
قامت بعض البلديات بتأطير عمل مقدمي هذه الخدمات البديلة بشكل أولي دون التوصل إلى نتائج حاسمة.
مشروعنا للعمل البلدي ضمن الاطار القانوني الحالي
لم تعهد البلديات القيام بأدوار محسوسة في توفير الخدمات العامة. غير أن الوضع البائس الذي بلغته هذه االخدمات يرتب عليها مسؤوليات أكيدة وخيارات صعبة بين فرض تأمين االخدمة على المؤسسات العامة والتكيف مع تقصيرها من خلال توفير خدمات بديلة أو تنظيم عمل مقدمي الخدمات البديلة.
تندرج مجالات عمل البلديات تحت العناوين الثلاثة التالية:
- تنظيم عمليات االعمران من خلال إدخال شروط لمنح رخص الإفراز والبناء تقضي بتجهيز المناطق المعدة للبناء بالشبكات الثانوية كافة بشكل مسبق
- تولي إقامة الشبكات المحلية مباشرة وتولي محاسبة المؤسسات العامة المعنية حول كلفتها
- مراقبة مقدمي الخدمات لناحية الجودة والكلفة ومنع الحالات الاحتكارية دون تأبيد أوضاعهم
معاينتا للحدود والعقبات وعناوين المواجهات
تبقى الإشكالية الأساسية قائمة بين أن تمثل البلديات قاطنيها وأن تتحول بحكم التقصير المتعمد على صعيد الدولة والمؤسسات العامة إلى شريك في الاستغناء عن خدماتها. لذا يتوجب على البلديات مواجهة الدولة والمؤسسات العامة وإلزامها بالقيام بمسؤولياتها عبر صيغ المراجعة القضائية والشعبية.
مشروعنا لرسم الإطار المؤسساتي للخدمات العامة بين البلديات والدولة
لا يجوز القبول بسياسة التقشف غير المعلنة لا سيما بعد أن سمحت السلطة الإجرائية لنفسها بمخالفة الدستور والقوانين والإحجام عن تقديم مشاريع موازنات منذ 5 سنوات، وسمحت السلطة التشريعية لنفسها بعدم إقرار موازنات ولا المصادقة على الحسابات وفق الأصول ولا معاقبة الحكومة على مخالفاتها منذ 12 سنة.
فالبلديات سلطات منتخبة لها الصفة والمصلحة في استقامة الانتظام العام، وكل تغاض من قبلها عن الإيغال المتعمد في السياسات الخبيثة القائمة على وقف الاستثمارات من جهة واستبدال الخدمات العامة الأساسية ببدائل ارتجالية أو مافيوية يمثل مشاركة في الجرم.
معاينتنا للمصالح والسياسات والخيارات والمحطات
مافيات عديدة باتت متحالفة لإبقاء الأوضاع على سوئها: أرباب السياسة المالية، شبكات تقديم الخدمات البديلة، والمتربصون بعمليات وضع اليد على الخدمات العامة وتحصيل امتيازات على المال العام بحجة تفكك الدولة.
على أهمية تبعاتها الاقتصادية والحياتية والبيئية فإن المسألة تتعلق بخيار جوهري يطاول طبيعة الدولة وحرمة الأموال العامة والحقوق الأساسية للمواطنين والمواطنات.
الحق بالرعاية الاجتماعية: صحة، تربية، حاجات خاصة
معاينتنا للوضع الحالي: بين القانون والممارسة
خلافا للمعاهدات وللقوانين التي تنص على الحق بالرعاية الصحية وبالتعليم وعلى حقوق المعوقين والأطفال والمسنين، لا تترجم أي من هذه الحقوق في الواقع. وإذا تم تأمين بعض الخدمات، فيكون ذلك إما بنوعية رديئة وإما مقابل شراء الولاءات. ولا تعتبر البلديات معنية بأي شيء من هذا القبيل.
نصف اللبنانيين لا يحصلون على أية تغطية صحية. ما عدا الموظفين والنواب، لا تشمل التغطية الصحية أحدا في مرحلة ما بعد عمر 64، حيث يتركز 75% من الإنفاق الصحي خلال الحياة. تقديمات وزارة الصحة انتقائية. وقد جوبه مشروع االتغطية الصحية الشاملة للبنانيين المقيمين برفض حاسم ليس فقط من المصرفيين وتجار الأراضي الذين كان مطروحا فرض ضريبة على أرباحهم الريعية، بل من قبل السياسيين وأزلامهم في الاتحاد العمالي العام، كي لا يفقدوا وسيلة استزلام وابتزاز بيدهم.
ينفق اللبنانيون أعلى نسبة من دخلهم في العالم على التعليم (13%، منها 9% في التعليم الخاص و4% في التعليم الرسمي). الازدواجية بين الخاص والرسمي انتهت إلى جعل التعليم الرسمي تعليما بائسا للبائسين لا سيما مع ضرب أوضاع المعلمين العلمية والمهنية. بينما التعليم الخاص تغلب عليه الاعتبارات التجارية. كما أن الاستئثار الطائفي اجتاح كل مراحل التعليم. وعوضا عن أن تسهم في التنشئة الوطنية وتوفر الفرص، تحولت المدارس والجامعات إلى قلاع طبقية وطائفية.
لا تحترم أبسط شروط إدماج المعوقين، لا في العمل ولا في الحياة العامة. حتى مواصفات الأبنية والأرصفة التي تنص عليها القوانين لا تطبق بما في ذلك في الأبنية العامة. لا توفر الدولة أية خدمة في مجال حضانة الأطفال، ما يعوق عمل النساء، لا سيما اللواتي لا يستطعن استخدام العاملات المنزليات. وعلى الرغم من تكاثر أعداد المسنين المعزولين بسبب استفحال الهجرة، فهم متروكون لبعض الجمعيات، الخيرية أو التجارية، في ظروف مذرية.
مشروعنا للعمل البلدي ضمن الاطار القانوني الحالي
في مجال الصحة، تستطيع البلديات، بحسب حجمها والمقدرات المالية المتوفرة لديها، تأمين بعض الخدمات الصحية الأساسية، ولا سيما الإسعاف والعناية الوقائية. كما تستطيع تأسيس صناديق تعاضد للمقيمين ضمن نطاقها.
في مجال التعليم، على البلديات أن تراقب نوعية التعليم واحترام المؤسسات التعليمية للمعايير التربوية والوطنية واتخاذ الإجراءات العقابية عند الحاجة.
وعليها مسؤوليات مباشرة حيال ذوي الحاجات الخاصة لناحية إنشاء دور الحضانة والعناية بالمسنين وتطبيق الشروط القانونية بصرامة في كل ما خص المعوقين سواء في المساحات العامة أو في الأبنية والمؤسسات الخاصة.
معاينتا للحدود والعقبات وعناوين المواجهات
ليس هناك من تحديد واضح لمسؤوليات كل من البلديات من جهة ووزارات الصحة والتربية والشؤون الاجتماعية من جهة أخرى. وعليه فإن قيام البلدية بالتشدد في تأمين حقوق المواطنين والمواطنات في الرعاية الاجتماعية سوف يصطدم بادعاء هذه الوزارات، على تقصيرها الفاضح، بحصرية صلاحياتها، ما يفتح على مصراعيها مواجهة أساسية حول مفهوم الحقوق الاجتماعية ومضامينها الفعلية.
مشروعنا لرسم الإطار المؤسساتي للخدمات العامة بين البلديات والدولة
يتولى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، بالتنسيق الوثيق مع وزارة الصحة العامة، تغطية كلفة العناية الصحية لكل اللبنانيين المقيمين، أيا كان موقعهم من العمل. وتكون التقديمات وشروط تأديتها مطابقة لما يوفره حاليا فرع المرض والأمومة في الصندوق، على أن يبقى كل فرد أو كل أسرة أو كل فئة تستفيد حاليا من تقديمات إضافية محتفظا بها، ويبقى تمويلها قائما وفق الشروط الحالية ذاتها. وتحول الاشتراكات المترتبة على أصحاب العمل عن أجرائهم لفرع المرض والأمومة زيادة على أجور هؤلاء الأجراء، تعويضا عن عدم تصحيح أجورهم بسبب غلاء المعيشة منذ آخر تصحيح حصل في نهاية سنة 2011.
تتولى وزارة التربية تغطية كلفة التعليم الأساسي في المدارس الخاصة غير التجارية، وفق عقود تبرمها مع هذه المدارس، على أساس تقيدها بالمنهج الرسمي كليا، والتزامها بتنمية الثقافة الوطنية مع الإقلاع عن أي تأطير طائفي أو سياسي أو فئوي، معلن أو مستتر. وتكون هذه التغطية قائمة على أساس جدول موحد مبني على الكلفة الفعلية للتعليم. أما المدارس التي ترفض التعاقد، أو تخل بموجباته، أو تأتي بنتائج متدنية في الامتحانات الرسمية، فتعتبر مؤسسات تجارية وتطبق عليها كل الأنظمة الضريبية التي تنطبق على المؤسسات التجارية، إذ لا يجوز أن يستخدم المال العام لتمويل مدارس خاصة تقدم تعليما أدنى مستوى من مستوى التعليم الرسمي أو ينحرف عن أسس التربية الوطنية. ولا يعود من مبرر لاستمرار ظاهرة “المدارس المجانية” وينتفي مبرر “المنح المدرسية” في القطاع العام قاطبة للتعليم الأساسي.
تتولى البلديات الإشراف على عمل المؤسسات الصحية والتعليمية في نطاقها وتتولى على نفقتها، ووفق المعايير التي تضعها وزارتا الصحة والتربية، تأمين خدمات الطب الوقائي وإقامة دور الحضانة ودور المسنين، إما مباشرة وإما بالتعاقد مع المؤسسات الخاصة والأهلية التي تلتزم بالشروط الفنية المطلوبة.
كما تتكفل البليات بالتطبيق االدقيق لكل مندرجات قانون إدماج المعوقين.
إن الكلفة الإضافية، قياسا على ما تتكبده الموازنة (المفتقدة) حاليا من خلال قنوات مختلفة، لتأمين التغطية الصحية ومجانية التعليم الأساسي، بصورة كاملة وفق الشروط المبينة أعلاه، لا تتجاوز مليار دولار سنويا والأرجح أنها أقل من ذلك لما يتضمن الإنفاق الحالي عبر صناديق ومزاريب مختلفة من هدر وسرقات. وتغطى هذه الكلفة من خلال الضرائب على الأرباح الريعية وهي بذلك لا تثقل كلف الإنتاج ولا تستثني ثلثي اللبنانيين الذين لا يعملون كأجراء نظاميين.
معاينتنا للمصالح والسياسات والخيارات والمحطات
الرعاية الاجتماعية أداة أساسية من أدوات السلطة. وهي تستخدم في اتجاهين متلازمين: تقسيم المواطنين والمواطنات وفق خطوط الولاءات الطائفية والزبائنية من خلال رهن حصولهم على الخدمات ببيع ولائهم لهذا أو ذاك من الزعماء، وتهميش الضعفاء منهم لتعطيل شعور الفرد بحقوقه. لذا فإن المسألة المطروحة (تحويل الحقوق بالرعاية الاجتماعية إلى واقع فعلي) تصيب النظام السلطوي في الصميم وتمثل، إذا حسمت، انتقالا نوعيا نحو تأسيس دولة فعلية عادلة وديمقراطية.
المحيطيات
الحق بالبيئة السليمة
معاينتنا للوضع الحالي: بين القانون والممارسة
يجري أمام أعين الناس تدمير منهجي للبيئة في لبنان: من تلويث للمياه الجوفية وللأنهر وللبحر إلى تحطيم للجبال والوديان إلى إبادة الحياة الطبيعية والنباتية.
وقد بينت مأساة النفايات كيف أن وضع اليد على أموال البلديات في الصندوق البلدي المستقل من قبل مجلس الوزراء دون مسوغ شرعي أدى إلى إقامة مافيا سطت على المال العام خلال عشرين سنة إلى أن دب االخلاف بين أعضائها، فلم يتورعوا، لابتزاز بعضهم البعض، عن رمي النفايات في الشارع طوال ثمانية أشهر. وعلى الرغم من الاعتراض الشعبي الجارف على ممارساتهم، استمروا ينتهجون السياسة ذاتها، القائمة على مزيج من القمع والمراوغة، حتى تعب الناس واعتراهم القرف، فعادوا ينظمون السطو، عبر فضيحة الترحيل التي اعتمدوا فيها على تلزيمات ملفقة ووثائق مزورة، ومتى افتضح أمرها، عبر تمديد العقود القديمة وإضافة عمليات ردم في البحر في مناطق عدة على الشاطئ. وبقيت معامل الفرز معطلة في غالبيتها لتضخيم حجم النفايات والأرباح التي تجنى منها على حساب البيئة والاقتصاد، لأن النفايات تحولت من حلقة في حلقات الاستهلاك والإنتاج، ومصدر لمواد يعاد تدويرها، إلى حجة لسرقة المال العام. وذلك كله دون أن تقوم أية بلدية بمقاضاة الدولة على سرقة أموالها.
في مجال الصرف الصحي، أنفقت الأموال على تنفيذ شبكات هنا دون محطات تكرير، ومحطات تكرير هناك دون شبكات، لتنفيع بعض المتعهدين، بحجة أنها مشاريع ممولة من قروض خارجية لم يسجل الإنفاق عليها في الموازنات خلافا للقانون، فباتت المياه المبتذلة تصب في الأنهر وفي البحر محدثة تلوثا هائلا. ولا ننسى النفايات السامة التي ألقيت في أعالي الجبال وعلى الشاطئ والتي ما زالت تبث سمومها في التربة والمياه.
ويستمر نهش الجبال والأودية بالمقالع والكسارات وشفط الرمول من الشاطئ دون رادع، ودون احترام الشروط القانونية لناحية تحديد المواقع وإعادة ترتيبها على نفقة المستثمر. وكل ردمية في البحر تقضي على جبل بأكمله.
الغطاء النباتي يُزال منهجيا إما لاستخراج الرمول وإما بحجة إنتاج الفحم والحطب وإما خصوصا للبناء. وتدمر مختلف أصناف النباتات والحيوات الطبيعية. وتتآكل الأراضي الزراعية الخصبة بنتيجة العمران المتفلت. وتشوه المناظر الطبيعية بأعمال التتريب والردميات وبالأبنية المنفرة. وتزال معالم التراث العمراني بحجج أو أخرى لصالح المضاربين العقاريين.
مشروعنا للعمل البلدي ضمن الاطار القانوني الحالي
للبلدية سلطات كافية للحد من الاعتداءات على البيئة إما بحجب التراخيص وإما بفرض إعادة ترميم المواقع المشوهة، دون اعتداد بحقوق مكتسبة وبرخص ملفقة.
معاينتا للحدود والعقبات وعناوين المواجهات
سوف تصطدم البلديات بكتل المصالح القائمة محليا وإنما أيضا بالممارسات الشاذة المترسخة على صعيد السلطة المركزية.
خير مثال على ذلك مسألة النفايات. أنفق على عقود سوكلين ملياري ومئتي مليون دولار وتم اقتطاع 40% من عائدات البلديات، ثم 80% منها، من الصندوق البلدي المستقل، وما زالت وزارة المالية تعتبر البلديات مدينة للخزينة بمليار ومئتي مليون دولار. كل هذه النفقات والديون المزعومة لا مسوغ شرعي لها، إذ أن البلديات التي تتمتع بالاستقلالية المالية لم تطلع ولم توافق على العقود التي تغرّم بحجتها، ولا يجوز بالتالي لمجلس الإنماء والإعمار ولا لوزارة المالية التصرف بأموالها. لذا بقيت هذه النفقات كلها حتى اليوم مسجلة بوصفها نفقات مؤقتة تنتظر تسوية غير محددة المعالم.
لذا يتوجب على البلديات أن تقاضي الدولة لكي تسترجع أموالها ولكي يتحمل من تصرف بالمال العام عن غير وجه حق تبعات أفعاله.
مشروعنا لرسم الإطار المؤسساتي للخدمات العامة بين البلديات والدولة
حدد المخطط الشامل لترتيب الأراضي تصنيفا دقيقا لاستخدام الأراضي وللمخاطر الطبيعية المختلفة وللشبكات الرئيسة للخدمات العامة، وهو ملزم لجميع الإدارات والمؤسسات العامة ويشكل الإطار المرجعي لكل المخططات المحلية. وقد أقر بمرسوم سنة 2008، لكن ذلك لم يمنع استمرار الممارسات الشاذة والمناقضة لما نص عليه.
معاينتنا للمصالح والسياسات والخيارات والمحطات
ليس التعامل مع البيئة مجرد مسألة تقنية، بل هو يطرح إشكاليتين جوهريتين:
- علاقة مختلفة للفرد والمجتمع مع الزمن، وهي علاقة تترجم درجة ثقتهما بالمستقبل من جهة ودرجة معرفتهما بالآليات الدقيقة التي تتحكم بالعوامل الطبيعية وتربط أوجهها، من ضمن مفهوم الاستدامة
- علاقة مختلفة للإنسان بمحيطه بحيث لا ينظر إليه كأنه جماد فيتصرف حياله تصرف التدمير والاستهلاك الهمجيين، بل يتفهم أن حياته ونشاطه جزء من التوازن العام للبيئة بدل الطبيعية.
الحق بالمساحات العامة
معاينتنا للوضع الحالي: بين القانون والممارسة
المساحات العامة من حدائق وساحات ومناطق مشاة نادرة في المدن والبلدات اللبنانية، ولكن ما هو أدهى أن هذه المساحات، على ندرتها، لا يرتادها اللبنانيون، بينما يتنعمون بها في الدول الأجنبية التي يزورونها. ينفر الناس في لبنان من المساحات العامة ويعتبرون أنهم غير مسؤولين عنها، فبقدر ما يهتمون بالمساحات الخاصة، من منزل وسيارة وحديقة، يرون في المساحة العامة أرضا سائبة فيستسهلون احتلالها وتلويثها.
ينم الهروب من المساحات العامة عن عدم اطمئنان المجتمع إلى ذاته، وهو شعور خطر تعززه السلطة والعديد من البلديات وخير مثال حرج بيروت الذي أعيد تأهيله بعد الحرب من خلال مساعدة فرنسية وأبقته بلدية بيروت مقفلا في وجه اللبنانيين بينما كانت تسمح للأجانب بالدخول إليه، إلى أن أرغمها قرار قضائي على فتحه منذ أشهر. والسبب الحقيقي لهذا التصرف المستهجن منع المواطنين والمواطنات الذين تنظر إليهم البلدية بوصفهم سنة وشيعة ومسيحيين من الالتقاء في مساحة واحدة بحجة أنهم سوف يتقاتلون.
ولا عجب والأمر كذلك أن يجري تحويل المساحات العامة واحة تلو الأخرى إلى حيازات خاصة، وخير دليل علة ذلك تعامل العديد من البلديات مع الشواطئ التي تتحول إلى منتجعات خاصة مغلقة، خلافا للقانون. والأمثلة عديدة، مرورا بشاطئ الرملة البيضاء وميناء الدالية والزيتونا باي في بيروت وبالمرفأ السياحي في عدلون وغيرها الكثير.
مشروعنا للعمل البلدي ضمن الاطار القانوني الحالي
سوف تعمل البلديات على توسيع المساحات العامة على اختلافها وتعزز الأنشطة الثقافية فيها وتعمم الإنترنت في أرجائها وتسهر على عدم طبعها بأي صبغة فئوية أو طائفية كي يستعيد اللبنانيون واللبنانيات شعورهم بالاطمئنان لبعضهم البعض، إضافة إلى استفادتهم وأولادهم والمسنين من الهدوء والهواء الطلق.
معاينتا للحدود والعقبات وعناوين المواجهات
الحاجة للمساحات العامة على أشدها في المدن وضواحيها وبالأخص بالنسبة لأبناء أحيائها الفقيرة والمكتظة. ولا يخفى ما قد تواجه به سياسة المساحات العامة من ممانعات طائفية وطبقية واستئثارية، لا سيما من قبل الذين وضعوا اليد على الأملاك العامة على الشاطئ وفي الجبال وعلى ضفاف الأنهر وغيرها من المواقع الحساسة.
مشروعنا لرسم الإطار المؤسساتي للخدمات العامة بين البلديات والدولة
لا تقتصر استعادة معنى الملك العام والمساحات العامة على الحرص المال العام، على أهميته المحورية، بل يطاول معنى مشاركة الفرد في الحياة العامة وكيفية نظرته إلى الآخرين وإلى نفسه، وموقع الدولة.
لذا يتوجب تطبيق القوانين النافذة دون مساومة أو تردد واسترداد كل الأملاك العامة العائدة للدولة وللبلديات، دون أي تعويض، وتغريم محتليها عن تعدياتهم، ومعهم من أعطاهم تراخيص باطلة أصلا، مع الحرص على أن تكون الغرامات على حساب المعتدين الأفراد، وليس على حساب المؤسسات التجارية والشركات التي أنشأوها كي لا ينتقموا من العاملين فيها. أي تغاض عن هذا الإجراء من خلال تسوية من هنا أو من هناك تعني إسقاطا لمعنى الملك العام ومكافأة للمعتدين عليه.
معاينتنا للمصالح والسياسات والخيارات والمحطات
ليست الحرية سمة خاصة، بحيث ينزوي كل فرد أو كل مجموعة في نطاق خاص ضيق يحتمون به من المجتمع ويتصرفون ضمنه وفق ما يحلو لهم بينما ينكفئون عن الخارج الذي يخشونه. بل هي سمة عامة للمجتمع الديمقراطي، وترجمة للمشاركة السياسية، حيث يتحول الفرد إلى مواطن، عندما يتلاقىى مع مواطنين ومواطنات يشاركونه الهموم والطموحات نفسها، وليس مع أعضاء في كتل غريبة ومقلقة ومتمايزة.
الحق بحرية الرأي والاطلاع والثقافة
معاينتنا للوضع الحالي: بين القانون والممارسة
لم يكن الإعلام اللبناني معافا بالكامل في أي يوم، والناس يذكرون القول المأثور لشارل حلو مرحبا بناشري الصحف: “أهلا بكم في وطنكم الثاني لبنان”. لكن الصحافة اللبنانية كان لها أثير بالغ في كل الدول العربية وأصر كل حكام الدول على أن يمتلكوا صحيفة أو أكثر في لبنان أو على استقدام صحافيين لبنانيين ليديروا الصحف والمحطات التلفزيونية التي أنشأوها. ما كان ذلك ليحصل لولا الكفاءة المهنية التي راكمها الإعلام اللبناني والمواهب التي جمعها.
لكن الأشهر الماضية أتت بأخبار خطيرة: صحافيون تتوقف أجورهم لأشهر ولا يتجرؤون على الشكوى، عمليات صرف هنا وهناك، أخبار عن إقفال صحف عريقة وإذاعات، وضغوط من هذا النظام أو ذاك لقطع بث تلفزيون أو منع دخول صحيفة.
صحيح أن تراجع الميزانيات الإعلانية بسبب تراجع عائدات النفط والتطور التقني لوسائل التواصل قد تفسر الظاهرة. لكنها تكشف أيضا العلل البنيوية التي يشكو منها الإعلام اللبناني: الاتكال على التمويل من مصادر خارجية والاعتماد على الإعلانات المرتهنة للأسواق الإقليمية. في الحالتين، وهن أمام التأثيرات السياسية والمالية.
نتذكر هنا أن عدد قراء الصحف المكتوبة في لبنان لا يتخطى بضعة آلاف في حين يبلغ مئات الآلاف في دولة إسرائيل العدوّة. ونتذكر أن الفضائيات العربية التي اعتمدت على العديد من إعلاميين اللبنانيين لا تنطلق من لبنان. ودور النشر تجهد للاستمرار في منطقة لا تنشر قياسا على عدد سكانها عشر الكتب والأبحاث التي تنشر في دول أصغر منها بكثير. كم تبقى من المسارح التي كانت قائمة في لبنان قبل الحرب وحتى خلالها؟ ما وضع المكتبات؟ ماذا ينشر من أبحاث؟
أبعد من المعاناة الاجتماعية والمصاعب المالية، إنه الحيز الثقافي بمجمله يتراجع أمام ضغوط العسكرة والمال والجهل. ومعه موقع لبنان وتأثيره.
مشروعنا للعمل البلدي ضمن الاطار القانوني الحالي
على البلديات أن تنخرط في الدفاع عن الثقافة والرأي، لا سيما وأن الدولة لا تبالي، وبما يتخطى الاحتفال بالأعياد والمناسبات الفولكلورية.
كل بلدية في لبنان، في ظل القمع المادي والفكري الذي يجتاح منطقتنا، تستطيع أن تكون موئلا للفكر النقدي وللإبداع، للمفكرين وللمبدعين.
تقدم البلدية للمبدعين محترفات وأماكن عرض، مقابل مشاركتهم في تدريب المقيمين، ولا سيما الشباب، على الفنون. كما تمدد الشبكات المحلية من الألياف الضوئية والواي فاي في المساحات العامة والمعاهد.
معاينتا للحدود والعقبات وعناوين المواجهات
لكون التقنيات الإعلامية في تطور سريع ولكونها باتت تسمح بالاتصال عالميا وفوريا، فإن حجم البلدية لم يعد مهما غير أن قدرات الجذب والقدرات المادية لبلدية كبيرة كبيروت تتخطى بكثير قدرات البلديات الصغيرة. والإعلام المكتوب والمرئي يتطلب موارد كبيرة.
إضافة لذلك، لا تستطيع البلديات وضع إطار قانوني وتنظيمي لهيكلة القطاع الإعلامي بمواجهة السلطة والمال.
مشروعنا لرسم الإطار المؤسساتي للخدمات العامة بين البلديات والدولة
كما أن الطريق ملك عام، تسير عليه الشاحنات بشروط موحدة، وكل شاحنة تحمل أية بضاعة مشروعة دون اشتراط من قبل شرطي السير، وكما أن شبكة الهاتف تسير عليها المكالمات والإشارات الرقمية للإنترنت وغيره، وضمنها كلام أو بيانات لا تخضع لاشتراط من وزارة الاتصالات، كذلك نرى أن يكون للإعلام، مكتوبا أو مسموعا أو مرئيا، بنية تحتية مادية متاحة تقوم بأعباء إنشائها وصيانتها وتطويرها الدولة السلطة العامة، سواء مباشرة على صعيد التنفيذ أو عبر تلزيم لمؤسسات تجارية خاصة، تسير عليها، دون حصرية ولا امتيازات ولا اشتراطات مسبقة، كل المؤسسات الإعلامية، فتنقل وتتلقى الأخبار والآراء بحرية وتساو.
رسم التنظيم القطاعي على هذا الأساس يرمي إلى صد الابتزاز التجاري والسياسي، داخليا وخارجيا، على مقلب الموارد، ويوفر أعباء النشر، طباعة وبثا ونقلا بريا ودوليا وفضائيا على مقلب النفقات.
غير أن استخدام المال العام لا يجوز دون التزامات متبادلة، التزام الدولة بالحرية والتساوي، والتزام كل مؤسسة إعلامية بشروط على الموارد لناحيتي تحريم المال السياسي وتعطيل الابتزاز التجاري، وشروط على احترام حرية الرأي والحيادية في الخبر وشروط العمل اللائق، ومعايير الرقابة على المنافع والأرباح والإدارة، والتزام الهيئات القطاعية باستيعاب مفاعيل التبدلات الخارجية تقنيا وبشريا وإداريا وماليا، بعيدا عن الموروث الفاشل للامتيازات.
معاينتنا للمصالح والسياسات والخيارات والمحطات
سوف يصطدم هذا الطرح بالاحتكارات والامتيازات القائمة، في الصحافة والتلفزيونات، إنما أيضا في الإعلانات وفي يد القوى السياسية المحلية والإقليمية. لكن المسألة ليست قطاعية وحسب بل هي تتصل بمنعة الدولة وبقدرتها على التأثير إقليميا في وقت أكثر ما نكون، في لبنان وفي المنطقة، بحاجة إلى فكر حر وإعلام مستقل ومتنوع. والساحة اللبنانية تبقى الأكثر قدرة على حمل هذا المشروع وبالتالي فالمسؤولية علينا أكبر.
تختلف أوضاع البلديات اختلافا شديدا بحسب طبائع كل منها. وهذا الاختلاف ينعكس على أهمية المواضيع المطروحة وإنما أيضا على إمكانيات البلديات المادية والبشرية. غير أنه يمكن ترتيبها ضمن خمس مجموعات تتشابه أوضاع البلديات الواقعة ضمن كل منها إلى حد بعيد. والمجموعات هي:
- بلدية بيروت
- بلديات المدن الكبرى
- بلديات الضواحي
- بلديات الأرياف التي تحولت إلى ضواح سكنية للمدن
- بلديات الأرياف الزراعية
علما أن أوضاعا محلية خاصة تستدعي تركيزا إضافيا على هذا أو ذاك من المواضيع دون أي شك، يتولى المرشحون في كل بلدة تفصيلها.