الحق بحرية الرأي والاطلاع والثقافة

معاينتنا للوضع الحالي: بين القانون والممارسة

لم يكن الإعلام اللبناني معافا بالكامل في أي يوم، والناس يذكرون القول المأثور لشارل حلو مرحبا بناشري الصحف: “أهلا بكم في وطنكم الثاني لبنان”. لكن الصحافة اللبنانية كان لها أثير بالغ في كل الدول العربية وأصر كل حكام الدول على أن يمتلكوا صحيفة أو أكثر في لبنان أو على استقدام صحافيين لبنانيين ليديروا الصحف والمحطات التلفزيونية التي أنشأوها. ما كان ذلك ليحصل لولا الكفاءة المهنية التي راكمها الإعلام اللبناني والمواهب التي جمعها.

لكن الأشهر الماضية أتت بأخبار خطيرة: صحافيون تتوقف أجورهم لأشهر ولا يتجرؤون على الشكوى، عمليات صرف هنا وهناك، أخبار عن إقفال صحف عريقة وإذاعات، وضغوط من هذا النظام أو ذاك لقطع بث تلفزيون أو منع دخول صحيفة.

صحيح أن تراجع الميزانيات الإعلانية بسبب تراجع عائدات النفط والتطور التقني لوسائل التواصل قد يفسر الظاهرة. لكنهه يكشف أيضا العلل البنيوية التي يشكو منها الإعلام اللبناني: الاتكال على التمويل من مصادر خارجية والاعتماد على الإعلانات المرتهنة للأسواق الإقليمية. في الحالتين، وهن أمام التأثيرات السياسية والمالية.

نتذكر هنا أن عدد قراء الصحف المكتوبة في لبنان لا يتخطى بضعة آلاف في حين يبلغ مئات الآلاف في دولة العدو إسرائيل. ونتذكر أن الفضائيات العربية التي اعتمدت على العديد من إعلاميين اللبنانيين لا تنطلق من لبنان. ودور النشر تجهد للاستمرار في منطقة لا تنشر قياسا على عدد سكانها عشر الكتب والأبحاث التي تنشر في دول أصغر منها بكثير. كم تبقى من المسارح التي كانت قائمة في لبنان قبل الحرب وحتى خلالها؟ ما وضع المكتبات؟ ماذا ينشر من أبحاث؟

أبعد من المعاناة الاجتماعية والمصاعب المالية، إنه الحيز الثقافي بمجمله يتراجع أمام ضغوط العسكرة والمال والجهل. ومهعه موقع لبنان وتأثيره.

مشروعنا للعمل البلدي ضمن الاطار القانوني الحالي

على البلديات أن تنخرط في الدفاع عن الثقافة والرأي، لا سيما وأن الدولة لا تبالي، وبما يتخطى الاحتفال بالأعياد والمناسبات الفولكلورية.

كل بلدية في لبنان، في ظل القمع المادي والفكري الذي يجتاح منطقتنا، تستطيع أن تكون موئلا للفكر النقدي وللإبداع، للمفكرين وللمبدعين.

تقدم البلدية للمبدعين محترفات وأماكن عرض، مقابل مشاركتهم في تدريب المقيمين، ولا سيما الشباب، على الفنون. كما تمدد الشبكات المحلية من الألياف الضوئية والواي فاي في المساحات العامة والمعاهد.

 

معاينتا للحدود والعقبات وعناوين المواجهات

لكون التقنيات الإعلامية في تطور سريع ولكونها باتت تسمح بالاتصال عالميا وفوريا، فإن حجم البلدية لم يعد مهما غير أن قدرات الجذب والقدرات المادية لبلدية كبيرة كبيروت تتخطى بكثير قدرات البلديات الصغيرة. والإعلام المكتوب والمرئي يتطلب موارد كبيرة.

إضافة لذلك، لا تستطيع البلديات وضع إطار قانوني وتنظيمي لهيكلة القطاع الإعلامي بمواجهة السلطة والمال.

مشروعنا لرسم الإطار المؤسساتي للخدمات العامة بين البلديات والدولة

كما أن الطريق ملك عام، تسير عليه الشاحنات بشروط موحدة، وكل شاحنة تحمل أية بضاعة مشروعة دون اشتراط من قبل شرطي السير، وكما أن شبكة الهاتف تسير عليها المكالمات والإشارات الرقمية للإنترنت وغيره، وضمنها كلام أو بيانات لا تخضع لاشتراط من وزارة الاتصالات، كذلك نرى أن يكون للإعلام، مكتوبا أو مسموعا أو مرئيا، بنية تحتية مادية متاحة تقوم بأعباء إنشائها وصيانتها وتطويرها الدولة السلطة العامة، سواء مباشرة على صعيد التنفيذ أو عبر تلزيم لمؤسسات تجارية خاصة، تسير عليها، دون حصرية ولا امتيازات ولا اشتراطات مسبقة، كل المؤسسات الإعلامية، فتنقل وتتلقى الأخبار والآراء بحرية وتساو.

رسم التنظيم القطاعي على هذا الأساس يرمي إلى صد الابتزاز التجاري والسياسي، داخليا وخارجيا، على مقلب الموارد، ويوفر أعباء النشر، طباعة وبثا ونقلا بريا ودوليا وفضائيا على مقلب النفقات.

غير أن استخدام المال العام لا يجوز دون التزامات متبادلة، التزام الدولة بالحرية والتساوي، والتزام كل مؤسسة إعلامية بشروط على الموارد لناحيتي تحريم المال السياسي وتعطيل الابتزاز التجاري، وشروط على احترام حرية الرأي والحيادية في الخبر وشروط العمل اللائق، ومعايير الرقابة على المنافع والأرباح والإدارة، والتزام الهيئات القطاعية باستيعاب مفاعيل التبدلات الخارجية تقنيا وبشريا وإداريا وماليا، بعيدا عن الموروث الفاشل للامتيازات

معاينتنا للمصالح والسياسات والخيارات والمحدات

سوف يصطدم هذا الطرح بالاحتكارات والامتيازات القائمة، في الصحافة والتلفزيونات، إنما أيضا في الإعلانات وفي يد القوى السياسية المحلية والإقليمية. لكن المسألة ليست قطاعية وحسب بل هي تتصل بمنعة الدولة وبقدرتها على التأثير إقليميا في وقت أكثر ما نكون، في لبنان وفي المنطقة، بحاجة إلى فكر حر وإعلام مستقل ومتنوع. والساحة اللبنانية تبقى الأكثر قدرة على حمل هذا المشروع وبالتالي فالمسؤولية علينا أكبر.