الإفلاس ومآلاته التلقائية

طالما حذرنا من أخذ البلد إلى الإفلاس. اليوم أصبح الإفلاس أمرا واقعاً. لكن ما هو الإفلاس فعلياً؟ أو بداية ما ليس هو؟ الإفلاس ليس نهاية الدنيا، بل هو أزمة أو مفصل من مفاصل تاريخ المجتمعات، تتغير حكما بنتيجة كيفية إدارته. كيف يتجلى الإفلاس؟

ببساطة شديدة، يحصل تدهور مفاجئ في القيمة الفعلية لمداخيل الناس ولمدخراتهم، القيمة الفعلية أي ما يمكن شراؤه بهذه المداخيل وهذه المدخرات من السلع والخدمات، بمعزل عن تقلبات أسعار صرف النقد.

المداخيل تنخفض بسرعة هائلة نتيجة الإفلاس، إمّا بسبب إغلاق المؤسّسات أو تخفيض دوامات العمل لتخفيض الرواتب، من دون أن ننسى العمّال والعاملات الأجانب الذين هاجروا بلادهم بحثاً عن عمل، ولم يعوا لليوم أنه لم يبقَ دولارات في هذا البلاد ليحوّلوها إلى أسرهم. الإفلاس يصيب أيضاً المدّخرات المودعة في المصارف، فيعجز أصحابها عن سحبها أو الحصول عليها. والإفلاس يطال السلع والمواد الأساسية التي لا يعود المستوردون قادرين على تسديد أثمانها للموردين في الخارج حتى لو كان المستهلكون يملكون دخلا أو حسابات في المصارف. وقد بدأت تشحّ أو تُفقد من الأسواق، وأخطرها المعدّات الطبية الأساسية التي أعلنت المستشفيات أنه لم يبقَ في مستودعاتها إلّا ما يكفي لشهرين، وهو ما سيؤدّي وفق المستشفيات نفسها إلى زيادة عد الوفيات بمعدّل ألفي وفاة سنوياً.

هذا هو الإفلاس وهذه تداعياته. نصل السؤال التالي: ماذا سيحصل إذا بقيت السلطة الفاشلة رازحة على كراسيها وعلى الصدور؟ عملياً، من يستطيع الهجرة سوف يهاجر، فلا يبقى سوى من لم يستطع للهجرة سبيلاً، وهؤلاء بغالبيتهم فئات تحتاج إلى التقديمات الاجتماعية والرعاية والحماية. وسيبقى أيضاً أصحاب الرساميل والمضاربون الذين ينتظرون الإفلاس بل يتلهفون له، كي يبيع الناس ممتلكاتهم بأبخس الأثمان بغية تأمين مستلزماتهم الحياتية الأساسية، وتقوم الدولة أيضاً ببيع لممتلكاتها ومؤسّساتها المُنتجة لسدّ نفقاتها، ونذكّر هنا بما ورد في ما سمّي “الورقة الإصلاحية” عن بيع المطار والمرافئ وشبكتي الخليوي والميديل إيست وغيرها.

هذا تحديداً ما يتمّ الحديث عنه يومياً: تجهيز البلاد، التي لكلّ منا فيه تجارب وذكريات حلوة ومرّة، للبيع بـ”فرق عملة”. وهذا ما كنّا نتخوّف منه منذ أربع سنوات عندما أطلقنا حركة مواطنون ومواطنات في دولة.

هذا ما يحصل تماماً، لكن هل هو قدر محتوم؟ كلا. هناك بديل، والبديل هو الدولة. اليوم مجتمعنا، المواطنون والمواطنات فيه، بحاجة وظيفية، لا عقائدية ولا أيديولوجية، لحدّ أدنى من التماسك، ولأداة اسمها الدولة.

اضغط على الرسم للعودة إلى الفهرس