المعارضة “الجديدة” أمام الاستحقاق
مقال ل فاطمة حوحو نشر على موقع “لبنان الكبير” على هذا الرابط.
٢٢ أيار ٢٠٢١
كثيرة هي الأمور الخلافية المخفية حيناً والمعلنة حيناً آخر بين أطراف ثورة 17 تشرين، أحزاباً وهيئات مجتمع مدني وقوى سياسية. البروباغندا السياسية تختلف عن واقع الحال، والترقيع لا بد منه حتى تحصل الانتخابات النيابية ويحدث تغيير مأمول، فهناك من يتطلع إلى محاورة السلطة وقول ما يجب في وجهها لا بل لا يرى مانعاً من المشاركة بالحكومة إن جد الجديد، وآخرون يريدون أن يكون سلاح “حزب الله” على الطاولة ويحملونه المسؤولية عما يحصل في البلاد ويشددون على أهمية تنفيذ القرارات الدولية لاستعادة السيادة، البعض يريد انتخابات نيابية مبكرة وآخرون لا يريدون التحالف مع أحزاب كانت في السلطة وركبت موجة الثورة، حتى ولو تم استعادة خطاب الحرب الأهلية. هذا غيض من فيض، إلا أنه لا يمكن تجاهل أن الحوار يستمر حتى لا يتم خنق “الصبي” من قبل أهله فهل ينجحون حيث فشلت تجارب أخرى؟
المراهنة الفرنسية على اللعبة الانتخابية
لم يتمكن أحد من تجاهل التوجه الفرنسي الجديد والذي عُبّر عنه خلال زيارة وزير الخارجية الفرنسي لبيروت مؤخراً، ومحاولة استكشاف مدى قدرة بعض القوى السياسية وتجمعات ثورة 17 تشرين على التأثير أو إحداث تغيير ترتقبه الأم الحنون في الانتخابات النيابية المقبلة، حيث لوحظ أن السفارة الفرنسية وجهت دعوات تجاهلت فيها فريقي 8 و14 آذار، حتى إن القوى السيادية اكتفت بتقديم مذكرة ولم تدع إلى لقاء الفرنسي، وتم تجاهل “القوات اللبنانية” وفي المقلب الآخر لم تتم دعوة “حزب الله” كما تم تجاهل دعوة مجموعة “خط أحمر”. وكان لافتاً دعوة مجموعات شاركت في الثورة ورفضت الحضور بتبريرات مختلفة ومنها الحزب الشيوعي الذي تخلف عن الحضور والسبب كما يبدو أنه لا يريد استفزاز حزب الله أو التقدم بخطاب جديد قادر على الاستقطاب وليس توارث القديم فكراً وممارسة.
من مجتمع مدني إلى أحزاب سياسية
من الملاحظ أن فرنسا أعطت إشارات لمجموعات الثورة التي كانت تسمي نفسها بقوى المجتمع المدني، أو قوى الحراك أو الانتفاضة، تغير الخطاب وأعلن العديد منها التبرؤ من صفة تجمعات مدنية وتم التركيز على كونها أحزاباً سياسية لها برامج وخطط بديلة ورؤى لحلول مشكلات يعاني منها لبنان في كل المجالات مالياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. وبهذا المعنى تحولت دعواتها لإسقاط السلطة ومحاسبتها على الفساد إلى طرح نفسها بديلاً عنها، والمناسبة الأفضل لذلك هي الانتخابات النيابية، من هنا كانت النصيحة الفرنسية واضحة بعدم المطالبة بتعديل القانون الانتخابي لأن ذلك سيجر الأمور نحو تمديد ولاية المجلس الحالي ويدخل البلاد في دوامة الصراع على القانون الذي يجب أن يعتمد.
من المجموعات التي دعيت ولم تحضر إضافة إلى “الشيوعي”، التنظيم الشعبي الناصري و”مواطنون ومواطنات” و”المرصد الشعبي لمحاربة الفساد” ومجموعة “لحقي”، وكان لهذه المجموعات حضور في ساحات 17 تشرين في مختلف المناطق.
برر الشيوعي في رسالة إلى السفيرة الفرنسية عدم مشاركته داعياً إلى دولة متحررةً من سطوة تحالف الزعامات الطائفية ورأس المال الاحتكاري”.
في حين أن حركة مواطنون ومواطنات رأت انه لم يكن من مبرر لمشاركتنا في جلسة السفارة الفرنسية، تلافياً لمنزلقين خطيرين: أن تضيع الجهود التي نقوم بها في الداخل لإرساء صيغة بديلة لعلاقة الدولة بالناس وبهمومهم…، أو أن نجعل من الفرنسيين شهوداً على التشتت الذي يحكم ساحتنا في وقت نسعى جاهدين للملمته حول خيارات واضحة”.
أما مجموعة “لحقي” فأوضحت “اعتبرنا أن شكل الدعوة وطبيعة اللقاء لا يصبان في مصلحة مشروعنا السياسي وأهدافنا في هذه المرحلة. غير أننا مستعدون ومستعدات للحوار حول مشروعنا… مع كل من يهتم بمسار التغيير الجذري الذي نتطلع إليه في لبنان من ضمنهم فرنسا”.
أبو شقرا: شائعات هادفة
لا يوافق المنظم السياسي في “لحقي” الناشط ماهر أبو شقرا، على وصف جمعية لمجموعته، مشيراً في حديث لـ”لبنان الكبير”، أن “لحقي” تنظيم سياسي منذ ٢٠١٨، أما بالنسبة لباقي المجموعات في الثورة، فهناك تنظيمات وأحزاب منذ ما قبل ثورة تشرين، ومنها مجموعات صغيرة نشأت بعد ثورة تشرين”، ويصر على أن “تسمية المجتمع المدني تسمية غير دقيقة كانت تستخدم”، موضحاً “نحن حزب، لدينا برنامج واضح وبيان وزاري بديل ومشروع سياسي متكامل للمجتمع والبلد”.
وعن التباين في المواقف بين مجموعات الثورة يقول: “لا يوجد خلاف مع مواطنون ومواطنات أبدًا، ولا حتى مع أي أحد. علاقتنا جيدة بمعظم التنظيمات، نحن اعتذرنا عن حضور لقاء السفارة الفرنسية لان طبيعته ونتائجه المقررة سلفًا لا تتقاطع مع أهدافنا واستراتيجيتنا في هذه المرحلة، فنحن نعتبر أن الكتائب وحركة الاستقلال عير بعيدين عن المنظومة الحاكمة وهما شاركا في الحكومات والمجالس النيابية التي قادت البلاد للانهيار، أما باقي القوى مثل تحالف وطني ومنتشرين والكتلة الوطنية فلدينا علاقات ودية معهم”.
واعتبر أن ما ذكر عن ضغوط على بعض الأحزاب لعدم حضور لقاء السفارة “شائعات هادفة”.
الدور السيئ لـ “حزب الله”
ويجد أبو شقرا أن “حزب الله”، لعب دوراً سيئاً جدًا في ثورة تشرين على صعيد تخوين الثوار وفي حماية النظام الحاكم في لبنان وكونه الطرف الأقوى فيه، وموقفنا منه واضح وحاسم ولا يقبل التأويل. لذلك ربما لم يذكر اسمنا أحد بموضوع الضغوط، وإلا ستبدو الشائعات غير قابلة للتصديق”.
ولا يخفي أبو شقرا أن “التباين في المواقف تجري مناقشته لا سيما حول الأولويات هل هي تشكيل الحكومة أم الانتخابات النيابية أو غيرها من الأمور. هذا النوع من الانقسامات موجود ولكن ليس انقسامات تحالفية وإنما وجهات نظر مختلفة في مقاربات الأمور المطروحة”.
التكريتي: مشروعنا بناء الدولة المدنية
وبرأي مفوض الإعلام في “مواطنون ومواطنات في دولة” عبيدة التكريتي: “ان الافتراض أن المعارضة في جبهة واحدة غير صحيح، وبالتالي فان التواصل مع المجموعات بشكل مباشر يوحي باننا نتوحد خلفهم في إطار مشروع وليس وراء معارضة بسيطة تقول إن الموجودين في السلطة شلة فاسدين، بقدر ما أن النظام الحالي هو نظام مبني على المحاصصة والرهانات والطائفية وهو دائماً يوصلنا إلى النتيجة نفسها، وبالتالي فان مشروعنا بالمقابل هو بناء دولة مدنية، دولة قادرة على مواجهة التشرذم وتلم الانهيار وفي الوقت نفسه تبني لمدنية الدولة وليس طائفيتها، إذا لم يتفق معنا أحد على هذه العناوين لا يكون هناك داعٍ للاتفاق معهم على الوسيلة، ممكن يكونوا خصوم سياسيين في هذه الحالة، في الانتخابات أو الضغط الخارجي أو حتى الحكومة الانتقالية وسائل لذلك لا بد من الاتفاق قبل كل ذلك على الغايات، والتي لا اعتقد أن كل قوى المعارضة متفقة عليها”.
ومن ناحية أخرى، يوضح التكريتي بخصوص الموقف الفرنسي: “صحيح هناك تطور كبير في موقف فرنسا وفي تعبيراتها عن الحالة اللبنانية، إلا أننا لا نتفق معهم في معاينة أساس المشكلة، ما ينقصنا ليس من باستطاعته إدارة المرحلة بطريقة تقنية بقدر ما هي حل مشكلة البنية السياسية في البلد، هم يرون عجز السلطة ونحن معهم، ويرون أن الوسيلة ادخال معارضين إلى السلطة ولكن نحن نرى غير ذلك، نحن نشدد على أهمية إرساء شرعية دولة مختلفة، ويكون هناك حكومة انتقالية مؤقتة”، مؤكداً: “نحن مع فرض التفاوض والدفع بالعجلة نحوه، مستفيدين من الضغط الخارجي الذي يحصل ومن وضع السلطة الموجودة الممسكة بزمام الأمور، وبعض المجموعات التي نعتبر نفسها معارضة والضغط الذي تمارسه، كل هذه العوامل يجب أن نجلس من أجل التفاوض حتى نعرف أين سننتهي، أما إذا تأخر هذا النقاش بانتظار حصول الانتخابات فيكون ذلك هدرا للوقت، خصوصاً أان السلطة الحالية ليست مستعدة لإجراء انتخابات وحتى إذا أجرت الانتخابات فهي تهدف من ذلك إلى إعادة ترتيب أوراقها بشكل عام، وهناك من يقول لنا من المجموعات انهم يرفضون التواصل مع الفاسدين ولكن نحن نقول إننا نتواصل مع الجميع بهدف توضيح مشروعنا ورؤيتنا للحل ونحاول الأخذ بهم إلى هذا المسار وليس الهدف القول إننا تحالف واحد سواء في الداخل أم الخارج”.
المعارضة الثورية والمشروع السياسي
ويوضح التكريتي: “نحن نتموضع اليوم كحركة سياسية لديها مشروع وليس مجموعة ضاغطة. هناك مجموعات لم تبت بأمر مشروعها السياسي، يمكن هي تود التغيير من الداخل أو تكون جزءاً من المنظومة الحاكمة وكذلك جزءاً من المعارضة لا، نحن معارضة ثورية ونتطلع لتغيير النظام بكل الوسائل الممكنة وحتى لو خضنا الانتخابات فنحن نخوضها من أجل التغيير وليس كي نصبح رموزاً مختلفة في المعارضة، وهذا ما يجعلنا مختلفين مع جزء من المجموعات وغير صحيح أن الصراع بين هذه المجموعات حول السلاح والسيادة موقفنا متمايز عن 14 و8 والمجموعات المستقلة عنهما، موقفنا هو أننا مع بناء دولة لها الحق بالدفاع عن الوطن وحيدة ولكن لأننا نؤمن بالعداء للمشروع الصهيوني فهذا يحتم علينا أن يكون لدينا قدرة دفاعية تجاه الكيان المعتدي وبسبب طبيعته العنصرية والتطرفية والعنفية هو سيعتبر لبنان ساحة ونحن نعتبر أننا لسنا مع عنوان فضفاض بإزالة سلاح حزب الله بل نحن مع الدفاع عن بلدنا والعداء لإسرائيل ومواجهتها بكل الوسائل ومع بناء الدولة التي يصبح لديها الحق والقدرة على المواجهة”.
عمار: صك براءة للتزوير
عززت “بيروت مدينتي” موقعها كحزب سياسي وفق علم وخبر في العام 2016، وهي منذ انفجار 4 آب نشطت في اطار العمل لتشكيل جبهة سياسية والانتقال إلى تنظيم عمل المجوعات في الثورة والتسيق بين مختلف القوى السياسية التي شاركت على الأرض، وينتقد الناشط طارق عمار “السياسة الفرنسية التي حاولت تعويم النظام وإبقاء الدولة المهترئة حتى الانتخابات النيابية”، داعياً إلى “التركيز على مطالب الثورة لا سيما تجميد الأموال ورفض دعم قوى الأمن من دون ضوابط تحفظ حرية التعبير”، وموضحاً أن “الثورة تنظم نفسها وفي 13 نيسان أصدرنا وثيقة هامة هي ورقة سياسية وبرنامج عمل لمواجهة “كلن”، أي المنظومة الطائفية المسؤولة عن سلاح حزب الله والفساد وتدمير الاقتصاد وعدم فعالية القضاء، الكل مسؤول في السلطة وليس بالإمكان القول أن مسؤولية هذا التنظيم أو ذاك أقل”، ويرى أن الفرنسيين “أعطوا في الانتخابات الماضية صك براءة لعمليات التزوير من خلال البعثة الأوروبية التي راقبت الانتخابات فهل سيكون الموقف نفسه في الانتخابات المقبلة إن حصلت نحن طالبنا برقابة دولية فعلية لا صورية توثق المخالفات”.
ويشدد عمار على أن “الثورة ليست على قياس أحد فكل المتضررين من السلطة شاركوا فيها. هناك تنافس وليس تصارعاً، جرت لقاءات كبيرة في المناطق من أجل العمل لتأسيس جبهة سياسية والتجاوب كبير، لقد أنتجت الثورة الكثير. هناك مبادرات لفتت العالم من مطبخ البلد إلى مشاريع القوانين للمحاسبة إلى المبادرة من أجل حماية المودعين ورفع دعاوى لاسترداد الأموال المنهوبة وغيرها وهو ما لفت الرأي العام في فرنسا وغيرها حيث هناك تنسيق مع الجاليات اللبنانية هناك”.