عـن الانـتـخـــــــــــــــابـــــــــــــــات النـقـــــــــابـيــــــة
تأسست حركة مواطنون ومواطنات في دولة استباقاً للأزمة المالية الحالية، وقد تهيأت لمواجهتها بعدما باتت حظوظ تجنّبها شبه معدومة. وضمن العمل على فرض مسار توزيع عادل وهادف للخسائر، أطلقت الحركة تحذيرا علنيا سنة 2018 عن قرب حدوث الأزمة، فقد تم إبلاغ كل من حلقات السلطة الثلاث – السياسية والمالية والخارجية – كما تم التواصل مع المؤسسات التي تدير المدخرات الاجتماعية، أي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وصناديق نقابات المهن الحرة ونقابة معلمي القطاع الخاص، ودعوتها لاتخاذ الاجراءات الاحترازية الواجبة.
على أنّ العجز والتخاذل الذي اتسم به كلّ من الذين تم ذكرهم، وخصوصاً في أعقاب انتفاضة تشرين 2019، قابلهُ طرحٌ من الحركة لبرنامج سياسي-اقتصادي للمرحلة الانتقالية، حددت فيه المعالم الرئيسية للخيارات الاقتصادية والمؤسسية الكفيلة بعبور الأزمة، وبإدارة المرحلة الانتقالية ضمن مشروع سياسي اقتصادي بديل، يسعى الى معالجة الأسباب الأساسية للانهيار، ويعمل على فرض توزيع عادل وهادف للخسائر، فتتحول الخسائر فيه إلى تضحيات مجدية.
إذا كان هناك مقاربتان مختلفتان للظرف الاستثنائي الحالي ولكيفية التعامل مع المسؤولية التي تقع على كلّ منّا، مقاربة تُعنى بالمواجهة مع منظومة سياسية-اقتصادية راسخة، تُقابلها مقاربة أخرى ارتضت لعب دور المعارضة تحت مظلة النظام السياسي-الاقتصادي القائم. ينتج عن كل من تلك المقاربتان جدول أعمال سياسي مختلف. إن موقفنا في الحركة هو رفضٌ لترميم النظام، كوننا نحرص على عدم إضاعة فرصة ثمينة لإحداث تغيير. لذلك، فإن طبيعة العمل السياسي في هذا الظرف تنطوي على رسم خط المواجهة مع سلطة أكدت مراراً على قدرتها على الائتلاف بوجه التغيير الحقيقي، فيصبح الوضوح في خوض المواجهة أولوية. إن الوضوح هو الوقوف بوجه ترويض المجتمع حماية للمصارف، كما هو الصلابة وعدم المساومة على إحقاق حقوق المواطنين وحماية المجتمع. وهو أيضًا عدم التنازل قيد أنملة في معركة حماية صناديق الادخار الاجتماعية التي هي بمثابة حجر أساس في الحفاظ على الطبقة المنتجة وتاليا المجتمع ككل. هذا الوضوح فيصلٌ بين خياراتنا في خوض المواجهة وبين من يعتمدون التجميع كوسيلة للتحرك فيما يترددون عند التطرق للمسائل الخلافية وخوض المواجهة، ويكتفون في معظم المواضيع بالإدانات والعموميات الأخلاقية الطابع، فينتهي بهم الأمر إلى السعي لتغيير المؤدين بدلا من تغيير الأدوار.
الانتخابات النقابية
الانتخابات النقابية الحاصلة، والنيابية ان حصلت، في مرحلة كالتي نمر بها ليستا محطتين روتينيتين لنظام سياسي ثابت. فلا تنفصل الانتخابات عن ظرف الأزمة العامة للنظام السياسي، وتأخذ في النقابات المهنية دورا مفصليا في تحديد حجم انخراط المسؤولين المباشرين عن النقابة ومدخراتها ودورها في مواجهة السلطة، وهي في جميع مراحلها مواجهة لحماية المجتمع بوجه سلطة الحلقتين المالية والسياسية.
تنقسم المواجهة الحالية في الانتخابات النقابية الى ثلاث مراحل:
1. المواجهة تحضيرا لخوض الانتخابات:
ضمن مرحلة التحضير، يرتبط وضوح المواجهة بشكل عضوي ولصيق بالقوى والشخصيات التي اختارت أن تخوض المواجهة فعلا لا قولا، وتاليا بالأسماء التي يتم ترشيحها. المواجهة لمن اختار خوضها بتفان وجرأة هي مواجهة مضنية وقاسية على الصعيدين الشخصي والمهني، ولذلك يكون اختيار المرشحين وخاصة الساعين لمواقع المسؤولية جزءا لا يتجزأ من العمل السياسي المرتبط. إن هذا الوضوح في خيار المواجهة السياسية يتناقض مع المقاربة التي تقتضي العمل على بناء تحالفات انتخابية عوضاً عن السياسية منها. فيصبح الجهد المجدي هو حشد القوى خلف مواجهة واضحة، يقودها أشخاص ارتضوا خوضها، وذلك ضمن مهل زمنية ضيقة تشكّل عاملاً أساسياً في قياس مدى حظوظ نجاح المعركة الانتخابية.
– مثال نقابة المحامين:
حسمت حركة مواطنون ومواطنات في دولة قرار دعم الرفيق موسى خوري لموقع النقيب، وذلك لخوض المواجهة ضمن النقابة وانطلاقا منها. خاض الرفيق خوري ترشيحه حاملا دعم الحركة كما دعم ائتلاف “نقابتنا”. لكن الائتلاف قد فضّل دعم محاميَيْن للموقع نفسه وعلى اللائحة نفسها، ظنا منه أن ذلك يزيد من احتمال الفوز، وقد بدّت بذلك القوى المنضوية في هذا الائتلاف عدد الأصوات على الوضوح. اختار الرفيق موسى الاستمرار بترشيحه لأهمية المعركة في نقابة المحامين بالتحديد، إلا أنه اعتبر نفسه مرشحا مستقلا مرحِبا بدعم كلّ من حسم خياره بخوضها الى جانبه.
– مثال نقابة أطباء الاسنان:
قررت الحركة خوض الانتخابات على موقع النقيب من خلال مساندة الدكتور كمال صليبا، الذي كان حاسما بقرار خوض المواجهة بوجه الحلقة المالية حماية لمدخرات النقابة. لكن قبل أيام من موعد الانتخابات، عادت الغالبية العظمى من القوى السياسية المنخرطة في هذه المعركة لمناورة ترشيح شخصين للموقع نفسه، فرشحت شخصا إضافيّا لموقع النقيب على اللائحة نفسها. عندها اختار الدكتور صليبا الانسحاب من المعركة الانتخابية عن خوضها بشكل مبهم، وهو سيكمل حتما بالمواجهة من ضمن النقابة.
– مثال نقابين المعلمين
سعت الحركة، مع أطراف أخرى مشاركة في حملة “وين صندوقك” لخوض انتخابات نقابة المعلمين بلائحة مكتملة تحمل مشروع المواجهة، وتحقق ذلك، علما أن المعلمين والمعلمات يعانون من أوضاع اقتصادية واجتماعية أشد وطأة من مجموع المهن الحرة، وهم معرضون، بحكم كونهم أجراء، للتهديد وصولا إلى الطرد من العمل إذا ترشحوا من خارج مظلات أحزاب السلطة الطائفية. أدى ذلك إلى إرباك تحالفات أحزاب السلطة، فتحججت بتسجيل عدد من المعلمين قبيل الانتخابات للقيام بمراجعة قضائية أدت إلى تأجيلها.
2. المواجهة الانتخابية:
لموقع النقيب أهمية استثنائية لكونه المؤتمن الفعلي والشرعي عن مسار النقابة، ويحمل بذلك الدور الأكبر بالمواجهة لحماية مدخرات نقابته، وتضاف على ذلك مسؤولية مباشرة على جميع من يصل الى مواقع أساسية في الإدارة. تخاض المعركة الانتخابية بالوضوح نفسه ويقاس نجاحها بمدى القدرة على فرض جدول الأعمال على جميع المرشحين وبين أعضاء النقابة، أي أن نجاحها مرتبط بشكل شبه حصري بالقدرة على ترجمته ضمن الظرف السياسي.
تعطي المواجهة الانتخابية عبر كونها استفتاء لمجموعة من المواطنين، صورا وموازين يجب قراءتها بتأن، علما أن لطريقة خوضها وتظهير نتائجها دلالات عن حجم الكتلة المعترضة، عدد النقابيين الذين حسموا خيارهم بالمواجهة، وتفاصيل كثيرة عن السلطة وترتيباتها.
– مثال نقابة المهندسين:
لم تكن الأطراف الطائفية، عند حصول الانتخابات في نقابة المهندسين، قد نظمت صفوفها، ولم تستطع لا ترتيب مرشحيها وتحالفاتها، المعلنة والمخفية، ولا حشد مناصريها، فتدنت المشاركة وفازت لائحة “النقابة تنتفض” بكل أعضائها.
– مثال نقابة المحامين:
حاز في الدورة الثانية مرشح القوات 1000 صوت، ومرشح الكتائب 600 صوتا، وفاز ناضر كسبار بـ1500 صوت، مؤيدا من كل أحزاب السلطة التي تدعم حكومة ميقاتي-سلامة. وقد حاز في الدورة الأولى الرفيق موسى خوري 772 صوتًا، وهو المرشح الوحيد على منصب النقيب الذي لا يتقاطع مع أية شبكة مصالح أخرى، لا مالية، ولا طائفية، ولا حتى “وليمية”، ويمثل هذا الرقم 18% من أصوات المحامين، لم تكن كافية للوصول لعضوية مجلس النقابة.
في دلالات المشهد، سعت أحزاب السلطة للحشد خلافا لما أصابها في انتخابات نقابة المهندسين، ونظمت صفوفها بنجاح، مما يدل على تخوف أحزاب السلطة من مجرياتها، واتفقت على ناضر كسبار نقيبا لأن لا لونا سياسيا له ولا طعم. تبين أن القطب المقابل الأبرز لتحالف السلطة الممثل في الحكومة كان القوات اللبنانية فحازت وحدها ما يوازي ثلثي أصوات ذلك التحالف. تبين جليا ضعف أطراف تحالف أطراف السلطة، إذ لم تجمع أي منها أكثر من بضعة مئات من الأصوات، أي أقل مما جمع مرشح مواطنون ومواطنات في دولة. هذا كله بينما لم يغفل أي من المرشحين ادعاء الاستقلالية.
– مثال نقابة أطباء الأسنان:
هنا أيضا، رتبت الأحزاب الطائفية صفوفها على شاكلة ما فعلت في نقابة المحامين، لكن شدة الاستنفار وفق المحاور الإقليمية، بين قطبي حزب الله والقوات اللبنانية كان قد اشتد إلى درجة أفقدها القدرة على ترتيب اقتراع مناصريها، فاستشرى التصويت الطائفي ضمن لائحتيها، ما أدى إلى تحطيم الصناديق وإلغاء الانتخابات.
3. المواجهة ما بعد الانتخابات:
تصل المواجهة الى أوجها بعد انتهاء المعركة الانتخابية، فترتبط مباشرة بمن وصلوا الى مواقع المسؤولية. ويكون عندها للنقابيين المناضلين خيار أوحد، وهو الضغط لخوض المواجهة بوجه أصحاب المصارف حفاظا على قيمة مدخرات نقابتهم. ويترجم هذا الخيار، إما كسند ضروري للنقيب في حال اختار هو المواجهة الجدية، وإما بحشر النقيب في حال تخاذل عن خوض المواجهة بالمسؤولية المطلوبة.
– مثال نقابة المهندسين:
بعد أن فاز التحالف الانتخابي “النقابة تنتفض” بانتخابات نقابة المهندسين، تقع المسؤولية اليوم، بشكل شخصي، على كل المهندسين الذين أصبحوا في مواقع إدارية ضمن النقابة لفرض مواجهة صارمة مع أصحاب المصارف الذين يحتجزون مئات ملايين الدولارات للنقابة من اجل استرداد القيمة الفعلية لهذه المدخرات. كما تقع المسؤولية على جميع المهندسين للضغط نحو وضع هذه المواجهة في صلب أي عمل نقابي. فلا تقف المواجهة عند الانتخابات، ولا تلزم التحالفات بجميع أشكالها أحدا بالتنازل عن خيار المواجهة الكاملة. لا بل تتكرس العلاقة السياسية الحقيقية من خلال المواجهات المشتركة، وينفرط عقدها عند افتراق مسارات خوضها.
– مثال نقابة المحامين:
تم إرسال كناب إلى نقيب المحامين المنتخب لسؤاله عن موقفه من سرقة أموال النقابة لا سيما بعد إقرار الجمعية العمومية للنقابة على حسابات مزيفة تتضمن إقرارا بالخسارة وإسقاطا لحقوق المحامين، وهل سوف يعتمد خط مواجهة السارقين فنقف إلى جانبه أو يتغاضى عن مسؤولياته فنتصرف على هذا الأساس.
لن تتردد حركة مواطنون ومواطنات في دولة في خوض معركة الدفاع عن المجتمع في كل الساحات، وبمسؤولية ووضوح. المسألة ليست مسألة حشد ولا معايير، بل هي، في الظرف الذي تعيشه نقابات المهن الحرة وصناديق الضمان والمجتمع عموما، مسألة مواجهة محدلة الحلقة المالية المتمثلة بحكومة ميقاتي-سلامة، دفاعا عن المجتمع. اليوم وأكثر من أي وقت آخر، وفي القادم من الاستحقاقات، نيابية كانت أم نقابية أم شعبية، الفرز أهم من الجمع العشوائي، والوضوح السياسي أجدى من أوهام “الفوضى الخلاقة ” التي لا تلد إلا المآسي. بالنسبة لنا في حركة مواطنون ومواطنات في دولة، إن هذا الموقف هو الموقف الصحيح، وهذا المعيار هو المعيار المجدي. والكل مدعو لحسم خياره وتحمل مسؤوليته. مخاطر الضياع أفدح من أكلاف الفرز، والوقوف خارج صف المواجهة المباشرة هو خصومة مع المجتمع ومعنا