المهمّة واضحة: منع ترميم اللا-دولة الفاشلة
موقفنا السياسي من الانتخابات النيابية-2022 نشر في جريدة النهار عدد 12/02/2022 على هذا الرابط.
“مواطنون ومواطنات في دولة”
لا يصح اعتبار الانتخابات مدخلًا لتغيير النظام. بل هي ساحة لمواجهة مساعيه، من خلالها، لإعادة تثبيت أسسه. سوف تخوض “مواطنون ومواطنات في دولة” المواجهة، في معرض الانتخابات، لتظهير البديل واضحًا عبر تحديد الخيارات الإجرائية التي تتعهّد بها السلطة البديلة.
الأزمة بنظرنا فرصة، على قسوتها، لطيّ خمسين سنة من الضياع. ليس المطلوب ترميم ذلك النظام أو الانخراط في أدواره، حتى تلك الاعتراضية التي يتعايش معها، أو المراهنة على تطويره تدريجيًّا. فالظرف ضاغط ويفرض القطيعة، خيارا واجبًا، القطيعة مع أدوار السلطة جميعها يقابلها تواصل حثيث مع الناس كي ينتظموا في الأطر المتاحة، كمجتمع مدني سياسيّ.
الالتقاء حول هذا الطرح، بركنيه، المواجهة والقطيعة، بصدقيّة، وبالأفعال، ومنذ الآن، هو المعيار الأوحد الذي نعتمده للتنسيق السياسي، في معرض الانتخابات، قبلها، وأثناءها وبعدها إذا حصلت، مع كل طرف. ينتظم طرحنا وفق تدرّج في ثلث محطات، التعامل مع عوارض الأزمة أولا، وعنوانها الإفلاس وتداعياته، ومعالجة السبب الرئيس لحصول الأزمة ولتمادي تفشّيها ثانيًا، وعنوانه ترويض المجتمع وأسره، وتحديد العلج المتاح لذلك السبب الرئيس ثالثًا، وعنوانه إرساء الدولة القادرة والواثقة.
المحطة الأولى: التعامل الصريح مع الإفلاس، بعد سرقة مدخرات الناس الخاصة والتعاضدية، بدل إنكاره وترك مفاعيله تتعاظم، وبدل استغلال خسائر المودعين لتشليح الناس الأملاك العامة، على أن توزّع الخسائر توزيعًا عادلًا وهادفًا:
مجابهة الحلقة المالية، والإقرار بإفلاس المصارف، كمدخل لا بدّ منه لحفظ الحقوق، وتحميل أصحابها، على أموالهم الخاصة، تبعات إساءة الأمانة اتجاه المودعين، قبل أي تفاوض مع الدائنين،
التعامل السويّ مع المطلوبات، الفردية كما المدّخرات الجماعية الإلزامية للصناديق التعاضدية، أخذا بالحسبان ندرة الأموال التي سوف تكون متوافرة لفترة زمنية بات أمدها أطول بنتيجة تبديد الموارد الذي حصل والمستمر، فيحدد سقف للسحوبات بحسب غايات استخدامها الاجتماعية والاقتصادية، وتُحفظ الأرصدة المتبقية، بينما تحول نسبة من الأرصدة الأكبر والأكثر استفادة من الفوائد إلى حصص في ملكية المصارف المتبقية بعد إعادة هيكلة القطاع،
إرساء فوري لمنطق الحقوق الاجتماعية وأبرزها التغطية الصحية الشاملة للمقيمين، ومجّانية التعليم الأساسي،
الحرص على عدم تبديد الموجودات، ولا سيما الذهب وسائر الأملك العامة، ومواجهة المناورات الإيهامية حول النفط،
تولّي الدولة مسؤوليات وصائية خلال مرحلة التصحيح، عبر تضييق حدود التسليع، وتوجيه الدخل المتحقق أو
المقتطع عبر الضرائب، صوب الاستثمار الانتاجي والطلب على الإنتاج الداخلي،
تغيير الوسائط والتقنيات المستخدمة في إنتاج الخدمات واستهلكها ، في أنظمة النقل المشترك والطاقة المتجددة،
إعطاء الأولوية لاستبقاء المقدّرات الإنتاجية ومراكمتها، ومقاومة تصدير القدرات البشرية،
تركيز العمل الدبلوماسي على توفير تسهيلت تجارية للصادرات وللاستثمارات الإنتاجية،
تصويب عمل الوساطة المالية خدمة لهذه الأهداف نفسها.
من هنا نرسي نظامًا يكافىء كل من يساهم، بعمله واستثماره، في بناء اقتصاد سويّ ومجتمع مطمئن، ويجزيه جزاء معنوياً وإنما مادياً ايضاً.
المحطة الثانية: الدفاع عن المجتمع، عبر كسر قيود ترويضه، ومصالحته مع ممارسة مسؤوليات السلطة:
لو كان الجسم الأساسي للمجتمع معافًى لما ارتضى الحرب الأهلية، ولا الترتيبات التي واكبتها وأنهت شكلها المعلن، ولا تعلّق بالإنكار لمآسيه ولتراكم المخاطر منذ أكثر من 12 سنة، ولا تقبّل الخسائر التي ألحقته به سلطة فاشلة عاجزة. بفعل واقع المجتمع اللبناني، والمخاطر التي تحدق به وبكل من أفراده، لا بل بكل من طوائفه وبكلّ من زعماء تلك الطوائف حتى، إن كان قويًّا أو ضعيفَا، لا يبقى من مجال في نظرهم لقيام سلطة فاعلة إلا بترتيب خارجي، وهذا ما يتوجب تفاديه. لذلك بات المجتمع في حاجة فوريّة إلى إرساء شرعية واثقة للسلطة، لأن استشعار السلطة لشرعيّتها هو ما يخوّلها اتّخاذ القرارات، ولا يمكن للسلطة في لبنان أن تستعير شرعية من مرجعيات لا دينيّة ولا عسكريّة ولا عرقيّة، بل يتوجّب أن تكون شرعيّتها مدنيّةً، أي أن تُستمدّ من التزامها منطق الحقوق والوقائع، فتتعامل مع الطوائف، ليس بإنكار وجودها، ولا باعتبارها مكوّنات للا-دولة فاشلة، بل كحالات مجتمعية تاريخيّة وظرفيّة، لا يكون الانتماء إليها إلا خيارا فرديًّا. من الواضح أن هذه النظرة ليست مشتركة أو متداولة في الفضاء السياسي، بل على العكس، والدليل أطروحات اللامركزية المتجددة والتي لا يمكن التهاون معها، لأن اللا-دولة الفاشلة الحالية ما هي أصلً إلا كونفدرالية طوائف، وطرح اللمركزية يأتي سعيًا أو خدمةً لمأسسة النظام الفاشل مجاليًا وماليًا، وتكريسًا لزعم أن الأزمة سببها الآخر، عن خبث أو عن توهّم. تتم ترجمة توجهنا للتعامل مع واقع المجتمع أولًا، عبر القيام بتعداد سكاني للمقيمين جميعًا، وللمغتربين ، وثانيًا، عبر اعتماد نظام للتمثيل السياسي يضع المرشّح والمواطن، عند كل استحقاق، أما خيار الانتماء المواطني المباشر أو الانتماء عبر الواسطة الطائفية، وثالثًا، عبر نظام موحّ د للأحوال الشخصية.
المحطة الثالثة: اقتدار الدولة وفتح الأفاق المتاحة أمام دولة لبنانية فعلية. فالدولة هي الأداة الفاصلة بين مجتمع منكوب وإقليم ممزق، والحاجة إليها اليوم مزدوجة وملحّة،
وهي فعل سياسي يقوم على تجرّؤ ومخاطرة وكلف . قوامها تجنيد إمكانات المجتمع، كل إمكاناته، البشرية والمادية، ومنها السلاح، والسياسية، للتعامل مع الخارج، كلّ الخارج، كساحات تأثير، فلا تستقدمه ولا تواليه ولا تعارضه اعتباطياً.
وتكون علاقات أية دولة بالخارج محكومة بتقدير مسؤوليها لمصالح مجتمعها وقدراته. فالعداء ليس عقيدة بل هو قرار قاسي ويرتّب تبعات جسيمة فلا يبرره إلا صدّ تهديد مباشر لشرعية الدولة وتماسك المجتمع وهذا ما يستدعي عداء الدولة اللبنانية للمشروع الصهيوني، بوصفه مشروعّا سياسيّا، قائم على عدوانية منهجية تبرّره مزاعم عنصرية ودينية.
ومن هنا يكتسب مشروع إرساء شرعيّة مدنيّة مجرّدة للدولة في لبنان بعدًا ووقعًا إقليميين وعالميين، بدءًا بالمحيط المباشر في سوريا وهي مجال حيوي للبنان اقتصاديًا واجتماعيًا، وفي فلسطين حيث الدولة المدنية تمثّل الرد على المشروع الصهيوني في أساسه.
ينطلق تطبيق المشروع البديل لل-دولة العاجزة من تأليف حكومة تتمتع بصلاحيات تشريعية استثنائية لفترة محددة ولتنفيذ البرنامج المعلن.
المواجهة دقيقة وتتطلب تضحيات، لكنها مجدية ومجزية، أما تفويت الفرصة والتلهّي عن أسباب الانهيار فهما مشاركة بالجرم. الأداء بائس، أيا كان الممثلون، النجوم الحاليون أو الطامحون للنجومية، والمطلوب تغيير الأدوار
والنص والمسرح، أرفة بالجمهور، كي يبقى جمهور، وليأت حينها إلى الخشبة من يرغب تمثيل هموم الناس ومن يقدر ويجرؤ على تحمّل أعبائه ومخاطره.