الجهاز المصرفي يملك 30 مليار دولار من أصل ودائع 150 مليار وأموال النقابات تساوي ضعفي أموال سيدر
مقابلة للرفيقة ناريمان الشمعة، منسّقة طرابلس مع حوزاف فياض نُشِرت في مجلّة «صفحات»
المقابلة نُشِرت على صفحة المجلّة على الفيسبوك
في خضم الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان التي أصبحت الشغل الشاغل لكل لبناني لما لها من تداعيات جسام على مستوى الفرد والوطن، غاب الدور الوطني الفاعل للنقابات وانحصر في الغالب بشؤون المهن وشجون أصحابها. في خضم ذلك، تعمل «حركة مواطنون ومواطنات في دولة» على تعزيز دور النقابات المهنية في مواجهة الأزمة المالية. وللوقوف على تفاصيل ذلك وأسبابه وأهدافه التقينا بمنسقة الحركة في طرابلس الإعلامية ناريمان الشمعة.
بداية، لما أطلقت الحركة هذه المبادرة من طرابلس، ولما الآن؟
الشمعة: تنطلق حركة مواطنون ومواطنات في دولة في المرحلة المنظورة من طرح عمل مشترك ينقل المشهد من الاعتراضات الفئوية إلى صياغة برنامج عمل يتناول مجمل الفئات الاجتماعية في لبنان. ف تناتش المكتسبات بشكل فئوي يدعوإلى التيقظ من الانجرار إلى أحداث أمنية وصدامات، وبالتالي لا بد من صياغة إطار سياسي يحمل مسؤولية المجتمع ويدافع عنه. لقد تبين للجميع اليوم أن شعارات الوحدة الوطنيةو مكافحة الفساد والحدّ من الهدر مجرد شعارات غير قابلة للتطبيق، والسلطة أصبحت عاجزة وفاشلة في إدارة الأزمة الراهنة وما سيستجد. وكانت قد أطلقت الحركة منذ أشهر مبادرة اقتصادية انقاذية للوضع الاقتصادي بشكل عام، وهذه مبادرتنا الثانية والتي أطقناها أيار الماضي بعنوان «دور النقابات المهنية في مواجهة الأزمة المالية – من طرابلس إلى كل لبنان».
أما لما من طرابلس؟ لأننا ببساطة ندرك تماماً ثِقل طرابلس الاقتصادي والسياسي والحضاري والمعنوي ولا نقبل لها إلا أن تكون فاعلة، لا مفعول بها، وأن تكون قائدة التحركات وليست تابعة.
لما تتحدث اليوم حركة مواطنون عن الصناديق النقابية تحديداً وعلاقتها بالأزمة المالية؟
واقعياً اليوم الأزمة ليست أزمة عجز بل تتعداها لأزمة ميزان مدفوعات. الجهاز المصرفي يضم 150 مليار دولار من الودائع (بين الليرة والدولار)، فيما نملك كبلد 30 مليار دولار فقط من أصل الـ 150 المذكورين، وهذا ما يدفعنا للتساؤول حول كيفية توزيع الدولة ما لديها من إيداعات على المودعين؟ وبالتالي حول كيفية توزيع الخسائر؟
لا بدّ هنا من الإيضاح أن من المودعين المشمولين ضمن ال 150 مليار دولار مئات ألوف الأسر اللبنانية التي تمتلك ما يقارب 15 مليار دولار من المبلغ كمدخرات. في حين يعتبر بعض الموجودين في السلطة أن هذه الأموال الموجودة في النظام المصرفي صالحة للتوظيف في تمويل النظام المالي السياسي حتى في حال ارتفاع نسبة المخاطر، مما قد يرتب عواقب مدمرة على تلك الأسر ومدخراتها.
كما لا بدّ من الإشارة إلى أن كثير من اللبنانيين لا يملكون أية مدخرات، منهم بعض أصحاب المهن الحرّة، عمال القطاع الزراعي والأجراء غير المصرّح عنهم. هؤلاءفي الواقع لا يملكون أي شي، في حين تتراكم مخاطر غياب الدولار التي قد تتجلى بانقطاع الأدوية والمحروقات. أي أننا قد نصل لأزمة انسانية متعلقة بصحتهم وكراماتهم.
ثانيا،ً هناك عدد من الأشخاص الّذين يملكون صناديق وهمية. فالقانون يفرض وجود صندوق إلا أنه غير
موجود فعلياً. وعلى سبيل المثال، وبشكلٍ عام، في الوظيفة العامة يجب اقتطاع مبلغ معيّن من الأجر ليتم ادخاره في صندوق. الصندوق في حدّ ذاته هنا ليس وهما،ً بل هو أرقام وحسابات واضحة يمكن معرفة تفاصيل تحرّك الأموال فيه. الخطير بالأمر أن هذه الصناديق غير موجودة حالياً.
ثالثا،ً ينضوي عدد كبير من اللبنانيين تحت صندوق منهوب يسمّى صندوق الضمان الاجتماعي. لدى الضمان الاجتماعي اليوم أموال موظّفة في المصارف وفي السندات بقيمة 8 مليار دولار يحرم من فوائدها التي تدفع على المدخرات العادية، كما له من المتوجبات على الدولة ما يزيد عن 2.5 مليار دولار لم تدفع من 4 سنوات.
صندوق الضمان الاجتماعي يطال الملايين من اللبنانيين، ويعمل اليوم على استخدام أموال نهاية الخدمة لتغطية مصاريف المرض والأمومة، ما يترجم كنقص في صندوق نهاية الخدمة، وبالتالي الخسارة متحققة.
وأخيراً هناك الصناديق المأسورة التّي غيبت تماماً.
اذا ما يصار الى فعله اليوم هو المسّ بدخل فئات مختلفة من المجتم، و بأشكال مختلفة، وبوقاحة متزايدة من خلال ما يسمونه تقشف، وبشكل أكبر من خلال وقف القروض ومضاعفة الفائدة. هذين الأمرين وحدهما يعطّلان الحياة الاقتصادية بشكل كامل ويحملان مفاعيل أكبر بكثير من تخفيض بند من هنا أو هناك.
لذا تظهر المهن الحرّة في الظروف الحالية كلاعب أساسي. و بالتحديد الأطباء، المهندسين، الصيادلة، المحامين ومعلمي التعليم الخاصّ . لقد ادخر معلمي التعليم الخاص مثلاً بعض الأموال، ليس بدافعٍ شخصيّ كأيّ مودعٍ عاديّ ، بل بعدما فرضت الدولة عليهم وضع مبالغ معيّنة بهذه الصناديق لتأمّن لهم بعض الخدمات بالمقابل، سواء تغطية صحية وتقاعد. ويجب التوقف عند هذا الاجراء لما له من صفتين خصوصيتين.
أولاً، هذا ادّخار ملزم بقرارٍ من الدولة وبالتّالي عندما تلزم الدولة أي شخص بإيداع أمواله في مكانٍ ما عوضا عن استخدامها بحرية تصبح مسؤولة عن ما تم ايداعه أكثر من أموال أيّ مودعٍ آخر.
ثانيا،ً لهؤلاء الأشخاص امتياز خاص نظراً لوجودهم ضمن هيئات منظمة ولامتلاكهم أموال جمعت عبر السنين من اقتطاعات واشتراكات، وأيضاً من تخصيص الدولة جزءاً من ايراداتها لمصلحتهم، ورخص البناء مثال على ذلك.
إذاَ وجود هذه المدّخرات يرتّب عليهم أيضاً مسؤوليّة مضاعفة تجاه المجتمع ككل.
كم تقدر قيمة هذه المدّخرات؟
الشمعة: تمتلك هذه الهيئات ما يقارب 2.5 مليار دولار، وهناك عدد كبير من الأسر تمتلك حصة من هذه الأموال، من ضمنها على سبيل المثال أكثر من 60 ألف مهندس. إذاً ادارة هذه الأموال مسؤولية ذات طابع عام وليست مجرد صلاحية نسبة لموقع اجتماعيّ.
كيف تتوقع الحركة أن يكون دور النقابات؟
الشمعة: نتوجّه بكل وضوح نحو المجموعات المنتظمة ضمن اطر مجتمعية من نقابات ومهن حرة ومعلمين. من جهة لأنهم يمتلكون كياناً ومؤسسات تشبه الكيانات الموجودة في البلد ولدى كل منهم علاقات مع أصحاب السلطة، ومن جهة ثانية لأنهم مؤتمنون مع مسؤولية مضاعفة، إذ أنهم مالكو هذه الأموالوهم أصحاب المصلحة المباشرة. لذا إن قرر هؤلاء المواجهة فعلياً ولم يكتفوا بالاحتجاج، وفهموا الواقع وضرورة العمل على توزيع الخسائر من خلال تمثيلهم لمقومات اجتماعية فعلية خارج خطوط الطوائف والأحزاب، يمكنهم أن يصبحوا جزء من صياغة سياسة لتوزيع الخسائر والمنافع.
الدعوة الآن للنقابات منفردة أو مجموعة لتتنظّم وتفاوض المركز الأساسي للسلطة، أي مصرف لبنان والحكومة ومن خلفهم سيدر والبنك الدولي، ولتحمل مسؤولية مئات الألوف من المواطنين من خلال توظيف أموالها لتساهم في توزيع الخسائر بشكل عادل وهادف يؤمن الاستمراري، خاصة في الخدمات الأساسية للصحة والمسنين.
وعلى هذه النقابات أن تكون مستعدة لتحمل بعض المخاطر من خلال تمويل بعض المشاريع كبناء معمل للكهرباء أو خدمات تتعلق بالمرافئ والمطار، فتصبح شريكة فيه من خلال استخدام العملات الأجنبية لتمويله بدلا من هدرها أو إرسالها الى الخارج.
إن انطلق هذا المسعى من حركة جمعت بعض أو كل هذه المنظمات المهنية الاجتماعية، لن يتمكن مسؤولو
صندوق الضمان من البقاء في موقع المتفرج، وفي حال انضمام الضمان إلى المعادلة نكون أمام مبلغ يساوي أكثر من ضعفي مبلغ سيدر، مع ما يعنيه الضمان لأكثر من ثلثي اللبنانيين من خلال ارتباطهم به مباشرة أو من خلال أسرهم، وما يعنيه للجميع لعدم تقاطعه مع الاصطفافات المحورية والطائفية والزبائنية بأي شكل من الأشكال.
عملياً كيف تفعلون ذلك؟
الشمعة: بعد تنظيم الندوة التي أطلقنا خلالها المبادرة نشط حراكاً على مستويات عدة من النقابات والمنتسبين وغيرهم، في الشمال وبيروت سأترك الكلام عنه لوقت لاحق حين تعلن النتائج عن نفسها.