مداخلة بواسطة نجيب حمادة

ليس ما يحصل قدرًا محتومًا، كل ما يحصل كان يمكن تفاديه.

الريبة هي من أن المسعى هو لاستعادة تجربة 1992 عندما تم الإعلان عن وقف دعم سعر الليرة، وما كان ذلك إلا إيذانًا لانتخابات أتت بأولى حكومات الترويكا برئاسة رفيق الحريري على أنها الإنقاذ.
كل ما حصل كان يمكن تفاديه، وكل ما يحصل ما زال تفاديه ممكنًا.
كل ما بين لبنان الذي نراه وذاك الذي نستحق، أطراف سلطة لم يتوانَ أعضاؤها عن سفك دماء الناس بالحرب للحفاظ على نفوذهم، ولا يتوانون اليوم عن مسح مجتمعٍ بأمه وأبيه للغاية نفسها.

العنف المتواري في طرابلس

إن سقوط السلطة فرصة لا تعوّض، فالنظام يتشكّل في ظروف تاريخيّة كهذه. وبدل أن تتحوّل طرابلس (وغيرها) إلى بؤرة للقمع الأمني وتجمّعٍ للمنظمات غير الحكومية، المطلوب اليوم لنقض هذه السرديات والأفكار هو الدفع إلى قيام تنظيمات تحوّل الغضب إلى عمل سياسي، وتعيد توجيه البوصلة نحو تأمين شبكة الأمان الاجتماعي، من تعليم مجاني وطبابة لجميع المقيمين والمقيمات تقطع أيدي الزبائيّة و”الخير”، فنبنيَ دولة المجتمع بأسره.

“ثقافة “المقاطعجيّة

في 4 آب، نستذكر جريمة صنّاعها واضحون. غير أن التغيير الذي لا يُحشد له على مدار العام، لن يحصد حتمًا من خلال “حدث” آخر.

نظام الحصانات والمآسي المستمرة

إنّ المعركة ليست قانونيّة، ولا معركة ضغط على القضاء، بل معركةُ سياسيّة لإسقاط نظام اللادولة، نظام التحاصص والحصانات، لأنه لا قضاء في غياب شرعية الدولة، ولا محاسبة في ظلّ التوافق.

بشارة تكليف ميقاتي

عوض أن نشهد محاسبة سياسية للأشهر الضائعة وللسياسات المالية القبيحة والمدمرة وللأموال المهدورة في بازارات المحاصصة في تأليف الحكومة،
وعوض أن نشهد محاسبة قضائية على جريمة تفجير المرفأ،
نرى الزعماء لا يكتفون باختراع الحيل لعدم رفع الحصانات الشكليّة لحماية أتباعهم من أي محاسبة، بل ها هم يدعوننا الى فصل جديد من الجريمة المستمرة بحق أرواح وأموال المجتمع أجمع بالاتجاه الى تسمية نجيب ميقاتي لتأليف حكومة جديدة.

٤ آب: يوم للذكرى..وكل الايام للنضال

لأن أهالي الضحايا هم أولياء الدم وهم الصف الأول في هذه القضية التي أصابت المجتمع برمته، سنكون كحركة مواطنون ومواطنات في دولة، في 4 آب ٢٠٢١، حيث سيكون أهالي ضحايا انفجار المرفأ، مواساة لجراحهم ودعماً لقضيتهم، قضية رفع الحصانات، كل الحصانات، التي تبدأ بالحصانات السياسية والأمنية ولا تنتهي بالحصانات الدينية، والتي لا نتيجة لها غير تأمين غطاء لما سبق، وللقادم من المآسي والدماء ولمزيد من الدموع.

سوريا ولبنان… والوصاية الإنسانية

يبقى السؤال الرئيس إن كانت «الوصاية الإنسانية» لدرء الانفجار الاجتماعى ستفتح مجالا لوقف الصراع الإقليمى والدولى على البلدين وكذلك ستفتح فسحة للخروج من الصراع ضمن البلدين عبر مشاريع، هى سياسية بطبيعتها، لتحييد الطبقة الحاكمة فيهما التى أثبتت عجزها وكذلك أمراء الحرب من أجل النهوض بدولة تقوم على المواطنة والعدالة همها المواطنون ومعيشتهم وحياتهم الكريمة قبل أى اعتبارٍ آخر؟
مهمة هكذا مشاريع صعبة. فعليها النهوض فوق الفئوية الطائفية والقومية، والتعامل مع كل الدول الخارجية على أنها كلها «خارج»، والوضوح فى الرؤية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للأزمة القائمة. والثبات فى تصميمها.
السؤال الكبير هنا هو مَن سيفتح الطريق للتغيير: ألبنان أم سوريا؟ البلدان مترابطان أكثر مما هو متداول.

لا حصانات لسلطة فاقدة للأهلية وفاقدة للشرعية

نعلن اليوم، وكل يوم، تضامننا التام مع ذوي الضحايا ومشاركتنا بتحركاتهم الضاغطة على السلطة العاجزة والمجرمة والضعيفة والتي من غير الممكن بظل بقائها ان تقوم أي عدالة، ونعاهدهم بأننا سوف نستمر في تكثيف المواجهة السياسية مع السلطة القائمة غير الشرعية حتى نحوّل مأساة مجتمعنا المتراكمة الى تضحيات نبني من خلالها دولة تنبثق شرعيتها من إقرارها بحقوق الناس المدنية والاجتماعية والقضائية، فتضمن حياة كريمة لهم فتتحول جريمة الرابع من آب من فاجعة عابرة الى تاريخ تأسيسي في بناء لبنان جديد.

ماذا يحضّر لطرابلس؟

هنا، يجدرُ القول بأن ما نراه من عنف هو الوجه الأكثر وضوحًا عن المأساة التي يعيشها لبنان. لذلك فاستنكاره باعتباره أمرًا غير مألوف هو نكرانٌ للواقع وانجرار لخطابات السلطة. أما التهليل له دون نقد فهو تقاعس عن المسؤولية ودفعٌ باتجاه الأسوأ دون جدوى