كثيرةٌ هي الانتقادات الموجّهة لإدارة القائمين على الدولة اللبنانيّة للأزمة الاقتصاديّة التي تعاني منها البلاد منذ 2019 وما تميّزت به من تخبُّط. إنّها انتقادات محقّة في أغلب جوانبها. ولكن من المحقّ أيضاً التساؤل عمّا إذا كان ممكناً أن تدار هذه الأزمة بشكلٍ مختلف في ظلّ نظام أمراء الحرب السياسيّ السائد في لبنان؟
لقد تعدّدت البرامج الإصلاحيّة والخطط الإقتصاديّة الإنقاذيّة المطروحة على الساحة اللبنانيّة، حتى لا تسمع إلاّ بالخبراء ولا ترى إلاّ الإطلالات على الشّاشات ووسائل الإعلام. فهناك مُقتراحات تتعلّق بصندوق النّقد الدولي، وتأتي على شكل وصفات ماليّة ونقديّة مُفترض اتّباعها. وهناك وعود تبدأ من شكل الحكومات وتركيباتها الفريدة، وتبشّر بخفضٍ في مستويات العجز المالي. وهناك تدابير للإنقاذ رهينة انتقاء سياسات إصلاحيّة معيّنة وتفضيلها على أخريات… وهناك أيضاً، تساؤلات عديدة ترافق كل هذه الطروحات. فَعسانا نسأل أنفسنا، نحنُ كمواطنين ومواطنات في دولة “مفترضة”، وأولئك الخبراء، ما نسمع “بالإصلاح الإقتصادي”؟
بالتندید أو الدعم، كل المحاولات للوقوف مع طرابلس الیوم هي عقیمة إن لم تترافق مع معاینة أعمق لما یحصل
وسیحصل. فطرابلس لا یمكن أن یختزل أحد بعض مظاهر العنف فیها كأنها ردة فعل لل “فقر” وكأن المطلوب هو تبرعات مالیة
لأهل المدینة من جهة أو “ضبط” أمني لهم
يُحكى أن التجارب العلميّة الناجحة (1960- 1966) للبروفسور مانوغ مانوغيان في إطلاق أول الصواريخ اللبنانية المحلِّية الصُنع، وَلّدت لَديه مع مجموعة من طُلّابه وزملائه في كلية هايكازيان للصواريخ في بيروت، أملاً في إرسالِ فأرٍ إلى الفضاء وإعادته حيّاً… ستّون عاماً مرّت على تلك الواقعة. خَفتت شُعلة الأمل مذاك، فَتَبخّر المشروع ومعه الصواريخ، بينما الفئران في بَلدنا ازدادت جوعاً في انتظار من يُرسلها إلى الفضاء.
فيما بدأت أزمة النقل، في ظل الأزمة الاقتصادية، تتمظهر بشكل أوضح وتؤثّر على تنقلات اللبنانيين، يبدو أن من هم في موقع «المسؤولية» لا علم لديهم، أساساً، بهذه الأزمة. بدا كأنهم يؤمنون بما يمكن تسميته «المعجزة اللبنانية» التي ستحطّ هذه المرّة في قطاع النقل، وكأن تنقلاتنا لن تتأثّر بارتفاع الكلفة أو برفع الدعم الذي أوشك على نهايته
في هذه الإطلالة ورد الكثير مما يدلّ على أن الهدف منها الترويج للجامعة التي يعمل فيها الوزير ولاختصاص النقل. أما في المضمون، فهناك الكثير من الملاحظات: الوزير أعفى البلديات من مسؤولياتها تجاه المشاركة في حلّ أزمة النقل، وهو لم يذكر مطلقاً موضوع رفع الدعم والكارثة التي ستحلّ على اللبنانيين، وهو أيضاً لم يذكر خلال 45 دقيقة كلام، أي كلمة عن النقل الليّن (المشي على الأقدام والدراجة الهوائية) رغم المنحى العالمي الذي يأخذه هذا النوع من التنقل وخصوصاً بعد جائحة كورونا، علماً بأن هنالك دراسات جاهزة للتنفيذ في ما يخصّ بيروت. إلقاء اللائمة على الأزمة الاقتصادية والصحية الحالية لتبرير القصور في معالجة مشاكل النقل، هو في غير محله… كل ما قيل هو أحاديث مكرّرة وتقليدية عن النقل تتضمن أخطاء شائعة وخلفيات واضحة. ليس منتظراً من نجار أو أي وزير غيره، أن يحيد عن الفولكلوريات بما أنه لا يُمثّل سوى شخص إضافي في منظومة سقطت منذ حين وفي دولة تفككت بنيوياً كل قطاعتها، وليس أولها قطاع النقل.