تبدو آليّة التفاوض السورى ــ السورى تحت رعاية الأمم المتحدة فى جنيف معطّلة اليوم، بعد «انتخابات» تجديد الولاية الرابعة للرئيس السوريّ الحاليّ. ويحلّ مكان تلك الآليّة اليوم تفاوضٌ أمميّ، وسورى ــ سورى فى الخلفيّة، حول تجديد قرار مجلس الأمن 2533 لعام 2020 حول استخدام معبر «باب الهوى» مع تركيا لمرور مساعدات الأمم المتحدة الإنسانيّة للمناطق التى لا تخضع لسلطة الدولة السوريّة. عرائضٌ من مسئولين فى الكونجرس ومجلس الشيوخ الأمريكى تطالب بالاستمرار بهذه الآليّة التى تتعارض مع القانون الدولى وسيادة الدول، والعودة إلى فتح معابر أخرى مع تركيا والعراق والأردن يقابلها موقفٌ روسيّ ــ صينيّ أنّ هذه الآليّة كانت مؤقتة أساسا ولا يُمكن الاستمرار بها. الطرفان يحذّران من الكارثة الإنسانيّة التى تُطبِق على المواطنين السوريين والمجاعة التى تترقّبهم خلال السنة الجارية.

ثمانية أشهر مرّت على حكومة الستّة أشهر. حكومة المهمّة التي توقف الأزمة وتعيد إعمار بيروت التي تفرغ كل يوم مع هجرة شبابها. قد يبدو الأمر صادمًا من الخارج: أكبر أزمة في تاريخ لبنان، ولا يمكن لسياسييه تأليف حكومة؟ لكن في الحقيقة الأمر أبعد من ذلك، فنموذج هذه السلطة بأكملها يقف عاجزاً حين تتحوّل المعادلة من توزيع الوظائف إلى توزيع الخسائر.

كثيرةٌ هي الانتقادات الموجّهة لإدارة القائمين على الدولة اللبنانيّة للأزمة الاقتصاديّة التي تعاني منها البلاد منذ 2019 وما تميّزت به من تخبُّط. إنّها انتقادات محقّة في أغلب جوانبها. ولكن من المحقّ أيضاً التساؤل عمّا إذا كان ممكناً أن تدار هذه الأزمة بشكلٍ مختلف في ظلّ نظام أمراء الحرب السياسيّ السائد في لبنان؟

لقد تعدّدت البرامج الإصلاحيّة والخطط الإقتصاديّة الإنقاذيّة المطروحة على الساحة اللبنانيّة، حتى لا تسمع إلاّ بالخبراء ولا ترى إلاّ الإطلالات على الشّاشات ووسائل الإعلام. فهناك مُقتراحات تتعلّق بصندوق النّقد الدولي، وتأتي على شكل وصفات ماليّة ونقديّة مُفترض اتّباعها. وهناك وعود تبدأ من شكل الحكومات وتركيباتها الفريدة، وتبشّر بخفضٍ في مستويات العجز المالي. وهناك تدابير للإنقاذ رهينة انتقاء سياسات إصلاحيّة معيّنة وتفضيلها على أخريات… وهناك أيضاً، تساؤلات عديدة ترافق كل هذه الطروحات. فَعسانا نسأل أنفسنا، نحنُ كمواطنين ومواطنات في دولة “مفترضة”، وأولئك الخبراء، ما نسمع “بالإصلاح الإقتصادي”؟

بالتندید أو الدعم، كل المحاولات للوقوف مع طرابلس الیوم هي عقیمة إن لم تترافق مع معاینة أعمق لما یحصل
وسیحصل. فطرابلس لا یمكن أن یختزل أحد بعض مظاهر العنف فیها كأنها ردة فعل لل “فقر” وكأن المطلوب هو تبرعات مالیة
لأهل المدینة من جهة أو “ضبط” أمني لهم

يُحكى أن التجارب العلميّة الناجحة (1960- 1966) للبروفسور مانوغ مانوغيان في إطلاق أول الصواريخ اللبنانية المحلِّية الصُنع، وَلّدت لَديه مع مجموعة من طُلّابه وزملائه في كلية هايكازيان للصواريخ في بيروت، أملاً في إرسالِ فأرٍ إلى الفضاء وإعادته حيّاً… ستّون عاماً مرّت على تلك الواقعة. خَفتت شُعلة الأمل مذاك، فَتَبخّر المشروع ومعه الصواريخ، بينما الفئران في بَلدنا ازدادت جوعاً في انتظار من يُرسلها إلى الفضاء.