أيّ معركة تنتظر النقابيين؟

أسامة الشيخ*

تبدأ انتخابات نقابة المهندسين في 27 من حزيران الجاري، على وقع استمرار الانهيار على كافّة الأصعدة. فالسلطة في حالة عجز تامّ عن إنتاج أيّ رؤية سياسية لإدارة المرحلة، والمجتمع متروكٌ ليواجه مأساته وحيدًا، هجرةً لمن هو مقتدر أو فقرًا ووقوفًا في طوابير الذلّ. من هنا، فإن التقابيين المرشحين اليوم سيكونون أمام تحديّات صعبة وحاسمة، لا تخصّ المهندسين وحدهم، بل تمتد لتشمل المجتمع بأَسرِه.

تنتمي نقابة المهندسين إلى مجموعة النقابات المهنية المنشأة والمحصّنة بقوانين خاصة، حيث يكون الانتساب إليها شرطًا إلزاميًّا لمزاولة المهنة، كنقابة الأطباء والمحامين والصيادلة. تمتلك نقابة المهندسين أكثر من 400 مليون دولار موزّعة بين الليرة والدولار، موجودة في النظام المصارفي اللبناني، ومعظمها مجمّدة كـ”استثمارات” لقاء فوائد. وقد تراكمت هذه المبالغ من خلال تقاضي النقابة جزءًا من رسوم رخص البناء والمعاملات واشتراكات المهندسين. بمعنى أدقّ، لقد جيّر المشرّع اللبناني جزءًا من موارد المجتمع لصالح فئة محددة، أي المهندسين. لكن مع إفلاس القطاع المصرفي وانهيار الليرة أمام الدولار، فقد تبخّرت هذه الأموال مثل بقية الودائع. وبذلك فإن معركة النقابة تبدأ من خلال الضغط لفرض تفاوض على مصير هذه المدّخرات، التي لا تعود لشخصٍ واحد، بل هي ملكٌ لحوالَيْ 60 ألف مهندس، أي 60 ألف عائلة. لكن، السؤال كيف تُخاض هذه المعركة؟ وبأيّ حجة وبأيّ هدف؟ من الخطأ – بل من العبث – أن تتمّ “المطالبة” بحماية هذه الأموال بوصفها مكتسباتٍ “شرعية” للمهندسين، ونكون بذلك قد انجريّنا إلى مطالبة فئوية ضيّقة تضع مصلحة المهندسين مقابل مصلحة المجتمع، لأن الأموال المتبقية في لبنان ومعها احتياطي الذهب هي لإدارة المرحلة الانتقالية التي نحن فيها وللتأسيس لنظام جديد، أي لدولة فعلية. كما أن مطالبة سلطة عاجزة عن اتخاذ أيّ قرار وممعنة في تبديد المجتمع لأجل بقائها، هو هدر للوقت.

هنا يأتي دور النقابة الأوسع والأهم الذي يتخطى مصالح المهندسين ليشمل مصالح المجتمع، حيث يجب أن تكون في مقدمة الصراع لفرض التغيير السياسي. فالمشكلة اليوم ليست مشكلة قطاع بعينه، بل هو انهيار شامل على كل الصُّعد. معدلات الهجرة المرتفعة وغير المسبوقة تصيبُ الفئات المنتجة من المجتمع وعلى رأسهم المهندسون، والقطاعات التي يعمل فيها المهندسون متعددة من الزراعة والصناعة والمقاولات وغيرها. لذلك فحماية المهندسين من الهجرة لا تتمّ إلّا بنهوض اقتصادي فعليّ يؤمن لهم سبل العيش ويلبّي طموحاتهم، وهذا لا يحصل إلّا من خلال الانخراط في عملية التغيير السياسي عبر اتخاذ المواقف من ضمن مشروع سياسي أشمل، والمواجهة بما تمتلك النقابة من أدوات وبالتعاون مع نقابات أخرى. في تونس على سبيل المثال، لعب “الاتحاد العام التونسي للشُّغل” دورًا بارزًا وأساسيًّا في الثورة التونسية عام 2010 بوصفه تنظيمًا سياسيًّا يمثّل شريحةً كبيرةً من التونسيين. وذلك من خلال المشاركة في المفاوضات الجارية في شتّى الاتجاهات، وقد قام بإضرابات وتظاهرات ولعب دورًا تعدّى دوره المهني والفئوي.

للنقابة ميزةٌ لا يمكن الاستهانة بها، وهي أنها عابرة للاصطفافات الطائفية، وقد أثبتت تجربة هيئة التنسيق النقابية هذا الأمر. ولا يخفى على أحد كيف قامت السلطة الطائفية في لبنان، في مرحلة ما بعد الحرب، بضرب العمل النقابي، فأُغرقت الاتحاد العمالي العام بسيلٍ من النقابات الوهمية التابعة لزعماء الطوائف الذين قاموا بتعطيل دوره السياسي. كما أن نمط الاقتصاد الريعي وضعف القطاعات الإنتاجية جعل من الصعب جدًّا قيام نقابات فاعلة تدافع عن العمال وتخوض غمار السياسة. بذلك تكون المسؤولية مضاعفة على النقابات المحمية ومن ضمنها نقابة المهندسين، لأن وظيفتها ستكون إعادة الاعتبار للعمل النقابي واستنهاضه ولدور المجتمع المدني الحقيقي الذي تمّ تشويهه.

معركة النقابات عمومًا ليست معركة حقوقٍ فئوية في هذه المرحلة، بل هي معركة قلب موازين القوى لصالح قوى التغيير، وللدفع باتجاه تغيير سياسي جدّي وفعّال وفق مشروع واضح. وهذا المشروع اليوم هو بناء دولة مدنية تعيد تشكيل العلاقات الاقتصادية في المجتمع (علاقات العمل والإنتاج) على أسسٍ هادفة وعادلة.

عضو حركة مواطنون ومواطنات في دولة*