موقف الحركة من قرار نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس

“لسنا نرى أن قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميريكية الى القدس واعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني هو مجرد فعل رجل مزاجي ومتهور، ولا نراه هو مجرد تكريس لأمر واقع ومحسوم. إنه بنظرنا ترجمة فجة لميزان القوى العالمي، حيث تبسط الولايات المتحدة شبكة قواعدها العسكرية وهيمنتها التكنولوجية والمعلوماتية على العالم أجمع أو على معظمه، وحيث لم تنشأ إلى اليوم، لا محليا ولا عالميا، قوى مقابلة واثقة ومقتدرة أو تحالف صادق لهكذا قوى، وحيث تواجه أصلا محاولات نشوء قوى كهذه بالتطويق والعقوبات والعزل والتهديد بالحرب. وقد أتى انتخاب ترامب أصلا، تحت عنوان “أميركا أولا”، نتيجة لموقفه القائل إن هذه الهيمنة يتوجب على دول العالم أجمع الإقرار بها والرضوخ لها وتأدية فروض وأثمان الطاعة لها صاغرة، دونما حاجة لتغليف حقوقي أو دبلوماسي.

يجب النظر إلى نقل السفارة الأميريكية الى القدس واعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني ليس بوصفه عمل تحد واستفزاز اعتباطي بل بوصفه امتحانا مقصودا لدرجة الرضوخ إلى الهيمنة الفجة، وذلك تحديدا لأنه يبدو عمل تحد واستفزازا. وهو بالتالي فعل سياسي يستهدف المستقبل وليس الماضي. وهو ليس معزولا، بل يشكل خطوة حاسمة في تكريس نظام “اللا-شرعية الدولية”، خطوة تراهن على تدحرج مواقف دول أخرى لتبني الاعتراف رسميا، وقد كان موقفتشيكيا الأول إلى البروز، وإنما تراهن أيضا على الانضمام إليها بأشكال مختلفة بدأت عناوينها تظهر إلى العلن، وأبرزها خطة “استسلام” يرغب واضعوها أن تطيح بالقضية الفلسطينية من أساسها، وقوامها تنظيم توطين الفلسطينيين خارج بلادهم، أو في مجمعات هزيلة مبعثرة ومطوقة هنا وهناك في أراضي الضفة، أو في مربع غزة وبعض سيناء، بينما تتم التغطية على ذلك كله من خلال التركيز الموازي على عناوين دينية مسيحية وإسلامية ويهودية، فيجري “تنظيم زيارات “الأماكن المقدسة” كإنجاز رمزي يستوجب الثناء والتقدير.

لا يؤمل شيء جدي من قيادات الدول المسماة عربية وإسلامية، ولا حتى من “السلطة الفلسطينية” التي ما زالت تترحم على “مسيرة أوسلو للسلام” وتأمل في استمرار مسرحيتها المأساوية، طمعا في استمرار ورود المساعدات لشعب اضطره الحصار لتصبح غالبيته مرتهنة للـ”مساعدات”. التصدي لهذا القرار يستدعي عملا سياسيا يحدد للشعوب هدفا يتناسب مع واقع المواجهة، ويطوي الشعارات التي استهلكت بحجتها عقود من المعاناة، من سراب “حل الدولتين”،ومن أسر الهويات الدينية وتنازع شرعياتها الموهومة. هدفا يعيد المواجهة مع الصهيونية، بوصفها ظاهرة عنصرية وعدوانية، ما كان لها أن تنشئ كيان إسرائيل وتحتل فلسطين وتعتدي على شعوب المنطقة لو لم تلتزم دورا وظيفيا وعضويا في عملية تثبيت هيمنة القطبية الدولية خلال أكثر من قرن، حول بريطانيا لحين ومن ثم حول الولايات المتحدة، إلى نصابها الحقيقي. هدفا يعيد للمواجهة، إضافة إلى مساحتها المباشرة، بعدها العالمي، مواجهة لمنطق الهيمنة والإهانة والإخضاع. هدفا عنوانه واضح: القدس عاصمة لدولة فلسطين الواحدة، المدنية، الديمقراطية، شاءت الولايات المتحدة أم أبت.

التصدي لامتحان الرضوخ هذا واجب بكل الوسائل، وهو حاجة وضرورة لحماية مجتمعاتنا من تبعاته، وكل الوسائل مشروعة في هذا المجال بقدر فعاليتها. و

نحن، في حركة مواطنون و مواطنات في دولة، معنيون بهذه المواجهة،انطلاقا من لبنان.
مشهد الرفض الشعبي لهذا القرار يجب أن يكون جامعاً وحاسماً، لذلك ندعو أنفسنا و كل القوى السياسية للمشاركة في التظاهرات والاعتصامات والفعاليات الشعبية والسياسية التي يدعو إليها أي طرف من الأطراف السياسية اللبنانية أو الدولية يعمد، في المقابل،إلى توضيح موقفه السياسي من امتحان الرضوخ الجاري كي يكون للمواجهة معنى واضحا ووقعا فاعلا”.