بغياب الدولة… كلنا ضحايا

نُشِرَ المقال في صحيفة الأخبار يوم الأربعاء ١٢ أيلول ٢٠١٩ على هذا الرابط

بقلم معن الأمين، مفوض العلاقات السياسية، حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» 

لعل أوقح ما في الدعوى التي رفعها عشرات المدعين الأميركيين على اثني عشر مصرفاً لبنانياً، في الثاني من شهر آب الماضي، لتعاملها المزعوم مع داعمين لحزب الله، لائحة العمليات «الإرهابية» التي «تثبت الطبيعة الإرهابية» للحزب، والتي تتضمن عمليات مقاومة على الأرض اللبنانية ضد العدو الإسرائيلي، ولا سيما عملية تدمير مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في مدينة صور عام 1983 وعمليات مقاومة أخرى على الأرض اللبنانية المحتلة من الجيش الإسرائيلي (ص 77 من الدعوى).

الأخطر من الوقاحة، هو الاستهداف المباشر لعشرات العائلات اللبنانية، ولا سيما المغتربة، من خلال التعاطي مع أفرادها كـ«مدانين» سلفاً بـ«جرائم» جماعية لم يحقق بها أحد، ويصبح بالتالي مجرد التعامل المصرفي مع المئات من المواطنين والمواطنات اللبنانيين المذكورة أسماؤهم في الدعوى جرماً بحدّ ذاته.

لا يخفى على أحد البعد السياسي في هذه الدعوى، حتى لو تسترت خلف أسماء «عائلات» جنود الاحتلال الأميركي الذين قضوا في العراق، وخاصة الابتزاز الذي يتعرض له هؤلاء اللبنانيون وعائلاتهم لتطويعهم ضمن مشروع الهيمنة الأميركي على المنطقة، ومحاولة دفعهم إلى طلب وساطة هذا الزعيم الطائفي أو ذاك، لوهم حماية ما، أو لتجنيدهم قسراً في مشروع الهيمنة نفسه.

من هذا الباب تحديداً، نرى في حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» أن واجب الدولة اللبنانية الدفاع عن مواطنيها ومواطناتها أينما وُجدوا، ولا سيما حين يتعرضون جماعياً، لكونهم لبنانيين، لاستهداف مباشر في أرزاقهم وأمنهم. قد يرى بعض اللبنانيين، وقد يكون منهم بعض المستهدفين أنفسهم، أن طائفة المستهدفين هي المستهدفة، وبالتالي هذه مشكلة شيعية، ويمكن السلطة أن تنأى بنفسها عنها. بالنسبة إلينا، المستهدفون لبنانيون ولبنانيات، ولا نراهم إلا بهذه الصفة الجامعة، كما نرى كل اللبنانيين واللبنانيات.

نحن في حركة «مواطنون ومواطنات في دولة»، لا نعترف بشرعية أية سلطة لا تصون كرامة وتحمي حقوق كل اللبنانيين واللبنانيات أينما وُجدوا، ونرى في تقاعس السلطة عن القيام بواجبها بحماية المستهدفين بهذه الدعوى دليلاً جديداً، وإن كنا بغنى عنه، على انهيار شرعية زعماء الطوائف وعجزهم عن القيام بما يزعمون أنه دورهم.

الدولة المدنية الديموقراطية القادرة والعادلة، التي نسعى جادين لبنائها، تتدخل سياسياً واقتصادياً وحتى أمنياً، في حالات كهذه. أما زعماء الطوائف من ميليشيات الحرب الأهلية وأصحاب مليارات الصفقات، فقدرتهم تقتصر على التناحر والتصالح فيما بينهم، ونهب مقدرات المجتمع بين جولة وأخرى.