بين دجلة والأوّلي: الجريمة واحدة
نُشِرَ المقال في صحيفة الأخبار يوم السبت ١٤ أيلول ٢٠١٩ على هذا الرابط
بقلم رولان نصور، منسّق «الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري» وعضو لجنة البيئيات في حركة «مواطنون ومواطنات في دولة»
بدأت حكومة الطيب أردوغان ملء بحيرة سد إيليسو، الواقع على نهر دجلة قرب الحدود مع سوريا والعراق، مهدّدةً آلاف السكان الأتراك بإغراق أراضيهم وتهجيرهم وسلبهم سبل عيشهم، ومعرّضةً العديد من المناطق العراقيّة لمخاطر الجفاف وتدهور القطاع الزراعي. ناهيك عن أن السدّ سيتسبّب بأضرار كبيرة على النظام البيئي المميّز لنهر دجلة، وستشهد الأيّام القليلة المقبلة إغراق مدينة حسنكيف الأثريّة المحاذية للنهر، وهي إحدى أقدم المدن في العالم والتي سكنها الإنسان بشكلٍ متواصل منذ حوالي إثني عشر ألف سنة.
هكذا، تتجاهل الحكومة التركية صرخات السكان الأتراك ونداءات الحكومة العراقيّة والجمعيّات المحلّيّة والدوليّة. فمنذ تولّي أردوغان الحكم، سنة 2003، وهو يسعى وراء مظاهر العظمة والتفوّق من خلال المشاريع الضخمة ذات التكاليف الباهظة، غير آبه بالقوانين الدوليّة والمعايير البيئيّة. علماً أنه لا ينتفع من مشروع سد إيليسو التدميري سوى شركات البناء ومتعهّدي السدود وأصحاب المصالح من السياسيّين الأتراك. واللافت أنّ الشركات التركيّة نفسها التي انتهت من بناء السد، تحطّ رحالها اليوم في بيروت، تمهيداً لتدمير نهر الأوّلي ومحميّة مرج بسري.
فقد وقّع مجلس الإنماء والإعمار المسؤول عن مشروع سد بسري عقوداً مع شركتي «نورول» و«تيميلسو» التركيّتين المشاركتين في صفقة سد إيليسو التي تحوم حولها شبهات فساد. كما وقّع المجلس عقداً مع شركة تركيّة ثالثة، هي «أوزالتين» التي نفذّت سد كوبرو في تركيا حيث لقي عشرة عمّال مصرعهم وجُرح آخرون بسبب أخطاء تقنيّة فادحة.
شأنه شأن سد إيليسو في تركيا، سيدمّر سد بسري في لبنان مواقع تاريخيّة مهمّة وأحراجاً معمّرة وأراضي زراعيّة خصبة، وسيقضي على سبل عيش العديد من السكان في الشوف وجزّين وصيدا. وما أشبه جنون عظمة أردوغان بجنون السياسيّين اللبنانيّين، جنونٌ سيقضي على آخر ما تبقّى من أودية لبنان وأنهاره سعياً وراء تنفيعاتٍ آنيّة وإنجازاتٍ وهميّة.
رغم الإعتقالات والتهديدات، لا يزال الناشطون والسكان المحليّون في تركيا والعراق يكافحون بعزيمة لافتة لوقف تعبئة خزّان سد إيليسو. وقد أعلنوا يوم السبت 14 أيلول يوماً عالمياً للتحرّك من أجل مدينة حسنكيف التاريخيّة، داعين المهتمّين حول العالم للتضامن مع قضيّتهم. وستشارك «الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري» من لبنان بهذا اليوم العالمي إيماناً منها بأنّ قضيّة نهر دجلة وقضيّة نهر بسري/ الأوّلي هما قضيّة واحدة ونضال واحد.