لحظة للوضوح
مقال نشر في جريدة الاخبار في تاريخ 27 تشرين الأول 2019 ، تجدونه على هذا الرابط
انها لحظة للوضوح، فلنكن واضحين
نعيش اليوم في لبنان تزامن حدثين لا سابقة لهما. أزمة مالية حادة تطال كل المجتمع، وتنذر بكوارث اجتماعية وأمنية كبيرة، وارتخاء غير مسبوق للولاءات الطائفية، نتج عنه نزول مئات آلاف اللبنانيين الى الشوارع، ليس في بيروت فقط، ولكن أيضاً، وخاصةً، في كافة المناطق.
هذان الحدثان ليسا منفصلين، وإن كان تعامل أطراف السلطة يوحي بعدم القدرة المعرفية على الربط بينهما، فتصبح النتيجة سبباً، والسبب ظرفاً عرضياً، لا أساس له ولا مسببين، وحتماً لا مسؤوليات، لا عن ما حدث، وخاصة عن ما سيحدث.
تناولنا في مواقف سابقة إطلالات رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية. أمس أطل الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بموقف للمرة الثانية في أسبوع، وهو وإن كان لا يشغل منصبًا رسمياً في الإطار الشكلي للدولة اللبنانية، إلا أن تأثيره في المشهد السياسي اللبناني لا يخفى على أحد، فبالتالي لا بد من نقاش ما ادلى به من قراءة ومواقف.
ينطلق خطاب السيد نصرالله من قراءة تقول إن الحدث هو نزول الناس إلى الشارع، وبالتالي يبحث في كيفية التعامل مع هذا الحدث بما يحتويه من نقاط قوة ونقاط ضعف، وبالتالي بما يمثل من تحديات وفرص، ويخلص إلى النتائج نفسها، كمخارج لهذا الوضع، التي خرج بها الرئيس ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، و إن كان مدعّماً بمصداقية أكبر عند الناس ناتجة عن تراكم رصيد المقاومة والتحرير والردع اتجاه العدو الاسرائيلي.
نحن في حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» نختلف مع منطلقات موقف السيد نصرالله من الظرف الذي نمر فيه في لبنان اليوم، وبالتالي من الطبيعي أن نختلف في الخلاصات.
الناس نزلوا إلى الشارع بسبب الأزمة المالية التي بدأ الشعب اللبناني يعاني تبعاتها، من الاقساط المتوجبة للمصارف، الى الأعباء الهائلة على حياة الناس جراء ثنائية الليرة /الدولار ووجود سعري صرف، والقيود على السحوبات والتحاويل، وأخيراً إقفال المصارف، وإفلاس المؤسسات الصغيرة والكبيرة…الخ.
هذا المعطى سياسي وليس معطى تقنيا ولا اقتصاديا مفصولا عن السياسة، لأن السياسة هي إدارة شؤون الناس – بما هم مجتمع وليس أفراداً – بكافة أوجهها. وكان لافتاً في خطاب السيد نصرالله الحرص على تأكيد ان البعد السياسي في التظاهرات هو موضع الشبهة.
إن كان المقصود بالسياسي هو علاقة احزاب السلطة الطائفية في ما بينها من تحالف وتخاصم وتحاصص، ضمن المنظومة السياسية التي حكمت لبنان منذ ثلاثين عاماً، فهذه ليست السياسة. هذا نظام توزيع منافع ومخاوف يفترض مداخيل خارجية مستمرة، وقد انتهت صلاحيتها، ليس بفضل من يعارضها، ولا بسبب نزول الناس الى الشارع، بل لسبب موضوعي هو جفاف مصادر تغذية هذا النظام، وهذا سبب الأزمة الحالية بشقيها المالي والمطلبي.
الهاجس الرئيسي الذي عبّر عنه السيد نصرالله هو الخوف من الفراغ، لا يمكن لأي عاقل، أي مسؤول، أن يكون مشروعه الفراغ.
المشروع السياسي الذي تطرحه حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» هو نقيض الفراغ والفوضى، وهو بالتأكيد ليس المشروع الأمثل الذي تفضله القوى الموجودة في السلطة اليوم، ولكنه المشروع الوحيد الممكن الذي يحمي الجميع، والجميع هو المجتمع.
لسنا في مرحلة الاختيار، بل في مرحلة توزيع الخسائر والحد من تبعاتها.
حكومة لإدارة المرحلة الانتقالية، بصلاحيات تشريعية، لمدة كافية لتنفيذ المهمة، ومحدودة لتجديد الشرعية الدستورية، هي الحل.
نحن لم نسخّف مقررات مجلس الوزراء، أو ما سمي ورقة اصلاحية، نحن قرأنا ما ليس مقنعاً ووصفناه كما هو.
الساحات والطرقات ملك الناس، عندما يرتأون فتح أو تسكير بعضها أو كلها، فهذا قرارهم. ونحن مجتمع صغير، ونعرف بعضنا بعضاً. والمخاطر الناتجة عن تدخلات خارجية أو داخلية موجودة ودائمة، وتصبح اكثر حضوراً عندما تصبح المكابرة رهانا خاسراً. لسنا غافلين عن الاختراقات الخطيرة في مجتمعنا، ولكن مسؤولية صد الاختراقات المشبوهة لا يمكن ان تقع حصراً على من يحاول بكل مقدراته المحدودة حماية المجتمع. المسؤولية مشتركة، وخاصة مع من طبيعته الطائفية تفرض عليه، عند حسن الظن، تحالفات آسرة فيما رصيده التحرير وعنوانه التحرر.
كلام أي زعيم طائفي بمن فيهم السيد نصرالله، عن بيئته وجمهوره، هو حكماً، عن قصد أو عن غير قصد، بوجه بيئة أخرى وجمهور آخر. نحن في حركة «مواطنون ومواطنات في دولة»، بيئتنا وجمهورنا هو كل المجتمع اللبناني، ونحن مسؤولون عنه وعن حمايته خاصةً حينما يكون مستهدفاً بشراسة داخلياً وخارجياً. والمسؤولية تكون مضاعفة عندما يكون الاستهداف مضاعفاً، اتجاه من هم مستهدفون أولاً كلبنانيين، مثل كل اللبنانيين واللبنانيات، وثانياً لأن الخارج اختارهم لفصلهم عن بقية اللبنانيين.
لكل مشاكلنا الداخلية، ولكل التحديات والمخاطر الخارجية: الدولة المدنية هي الحل.