مشهد بشع يرتسم أمامنا

بيروت في 20/12/2019

شهدنا في الأيّام الأخيرة تصاعداً نوعياً في مشاهد العنف في الشارع، عنف القوى الأمنية ضدّ المتظاهرين، وعنف مجموعات تعلن انتماءها لقوى في السلطة ضدّ الانتفاضة، وكذلك عنف بعض المجموعات التي تدّعي أنها جزء من الانتفاضة في وجه القوى الأمنية، وتدرّج هذا المشهد من جلّ الديب إلى ساحتي رياض الصلح والشهداء، إلى صيدا والنبطية وكفررمان وغيرها من المناطق.

تواكب هذا التوتير المُمنهج في الأيّام الأخيرة مع ترتيبات حثيثة بين أطراف السلطة لإخراج مسلسل التكليف، من خروج لسعد الحريري وتكليف لحسّان دياب، وما تبع من احتجاجات وقطع طرقات ومظاهر مسلّحة ليلاً، ما زلنا نشهد فصولها حتّى الآن.

بات جليّاً أن هناك من حضّر المسرح لمواجهة في الشارع بين محورين، كلاهما في السلطة الفعلية، وإن كان بعضهم ما زال متمسّكاً بموقعه في السلطة الشكلية، وبعضهم الآخر هرب من مسؤوليّاته ليختبئ بين الناس المنتفضين على قوى السلطة الفعلية مجتمعين.

كل هذا يحصل، والمجتمع ينزلق يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة، في الانهيار المالي، والناس تفقد مداخيلها، وتشحذ فتات من مدّخراتها من المصارف، التي أفلت لها عقال القانون، فباتت تقرّر وتستنسب ما تريده خارج أي شعور بالمسؤولية، لا اتجاه القانون، ولا اتجاه حاجات المودعين الحيوية.

عن تآمر أو عن عجز، لا فرق، ها هي قوى السلطة الفعلية، بفرعيها المرتبطين بمحورين إقليميين ودوليين متصارعين ومتفاوضين، تفتح الأبواب واسعة لتنفيذ كلّ الأجندات الخارجية، من باب التوترات الطائفية، حتّى وصلنا إلى مرحلة أن فيديو لقيطاً من وراء البحار صار بإمكانه حرق البلد. ولا يخفى على أحد التصدّعات الداخلية التي بدأت تظهر عند بعض هذه القوى، حتّى صار الحليف يضيق بحليفه علناً، وفي كلا الفريقين.

نحن في حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» إذ نشعر بقلق كبير من هذه التطوّرات، نحذّر من يتوهّم أن تقاطع المصالح بين راعيه الإقليمي أو الدولي وبين راعي خصومه الإقليمي أو الدولي يشكّل حماية من تدهور الوضع الأمني خارج السيطرة، أن يعيد حساباته فوراً، وأن يتذكّر أن مسار التوتّرات الأمنية في ظلّ انهيار مالي كالذي نعيشه، هو مسار خطر جدّاً، ووهم السيطرة عليه قد يكون قاتلاً، للجميع، أي للمجتمع.

عوضاً عن مواجهة واقع الإفلاس المالي الذي يغرق فيه المجتمع، وواقع الإفلاس الإجرائي الذي تتخبّط فيه أجهزة السلطة، يسعى هؤلاء لخطف الناس عن واقع همومهم، لإحلال جدول أعمال عنفي ومُستتبع للقوى الخارجية، مراهنين على أن خوف الناس من عودة الاحتراب الطائفي في المدن والأحياء كفيل بجعلهم يسلّمون بانهيار آمالهم وفقدان جنى عمرهم.

وحش السلطة الفاشلة يكشر عن أنيابه، كالتنين الجريح.

قلنا منذ فترة، ونعيدها اليوم، أكثر من أي وقت مضى: الشارع بوجه السلطة ساحة شرف، الشارع بوجه الشارع ساحة جريمة.

حركة «مواطنون ومواطنات في دولة»