حول اعتماد العقوبات الاقتصادية وسيلة للتعامل بين الدول

18 حزيران 2020

  1. مفاعيل العقوبات بين ما يعلن وما يحصل
ترفض حركة “مواطنون ومواطنات في دولة” اعتماد العقوبات على أية دولة وسيلة من وسائل التعامل بين الدول. فالعقوبات التجارية والمالية على الدولة ليست سوى حصار على شعبها. والزعم بأنها تؤدّي إلى معاقبة الحكّام وإخضاع الأنظمة أو تأليب السكّان ضدها تدحضه كل الوقائع في العالم، وفي منطقتنا بالأخص بعد ما شهدته من تجارب مؤلمة تكرارًا، وآخرها القانون الأميركي المُسمّى “قانون قيصر”. ما تؤدّي إليه تلك العقوبات فعليًا، وبمعزل عن طبائع الأنظمة التي تدّعي العقوبات إصابتها، هو التضييق على حياة السكّان وتشجيع المهرّبين والمحتكرين، ودفع من يستطيع إلى مغادرة البلاد، وتعزيز شرعية السلطات القائمة كونها تصبح في موقع الدفاع ضد خارج معتدٍ على أهل البلد.
في المحصلة يتمّ تشويه المجتمع وإصابة بنيته الأساسية، البشرية والمعنوية، إصابات بليغة ومديدة الوقع والتأثير.
  1. العقوبات والعنف والشرعية السياسية
غالبًا ما يختلف هدف العقوبات، مثلها مثل أشكال العنف الأخرى، عن الروايات التي تغلِّفها. والأدلة على ذلك  عديدة. فالدول التي تفرض عقوبات غالبًا ما تفرضها على دول تكون قد دعمت أنظمتها لفترات طويلة، وخير مثال على ذلك الولايات المتّحدة الأميركية في تعاملها مع العراق ومع سوريا، ما يبدِّد كل مزاعم الدوافع الأخلاقية وراء العقوبات. وتكون الغاية من العقوبات غالبًا إرغام “حلفاء” على السير في ركبها، ليس لتشديد الضغط على المعاقَب بقدر ما تكون ترويض “الحلفاء” وإخضاعهم لتحقيق مكاسب لا علاقة لها بالدولة المستهدفة التي يُستخدم شعبها، قبل حكّامها، أدوات مسترخصة.
إن العقوبات التجارية والمالية وسيلة خبيثة، وهي لا تنمّ عن فائض قوة الدولة التي تبادر إليها وعن تفوّقها على الدولة التي تعاقبها، لأن ميزان القوى التلقائي لا يخفى إلّا على الأغبياء. بل هي تشي بحاجة الدول التي تبادر إلى فرض العقوبات لحشر “الحلفاء” والاستقواء عليهم قبل الاستقواء بهم، للتغطية على تراجع قدراتها وشرعيّتها السياسية نسبة إلى منافسين مُستجدّين، مستفيدة من خبث “المستحلفين” وارتباكهم السياسي.
العقوبات التجارية والمالية هي أخذ الشعوب والمجتمعات رهائن للتغطية على الفشل السياسي، سواء لدى المبادر إليها، أو لدى السائر بركبه أو حتى، في أحيان كثيرة، لدى القيادة التي تستهدفها تلك العقوبات.
  1. ماذا لو كان للبنان دولة؟

أمام المآسي التي أصابت المجتمع السوري بعدما أصابت المجتمع العراقي والمجتمع الليبي، والتي تتلبّد غيومها فوق المجتمع اللبناني، من دون نسيان الظلم المريع الذي أصاب المجتمع الفلسطيني، أين يقف لبنان؟
بكل بساطة، حكومة لبنان غير موجودة. يقف اللبنانيون في موقف المتلقّي، ويتشرذمون حول رهانات ومراهنات متفرّقة، لا لشيء إلا لأنهم يفقتقدون الأداة التي تحميهم، أي لدولة واثقة من شرعيتها، أي لدولة مدنية، ما يدفع كل من شراذمهم لاستعارة شرعية من هنا أو هناك أو هنالك.
الدولة اللبنانية، متى قامت، تقرّ بأهمية استقرار محيطها وتأثير أوضاعه على شعبها، فتتعامل مع هذا المحيط بوصفه الخارج الأقرب والأهم والأكثر تأثيرًا على مصالح مجتمعها، وهي تجنِّد بالتالي طاقاتها أولًا لبلورة الرؤى السياسية التي تساهم في تعزيز شرعيتها في الداخل بالتوازي والانسجام مع طرحها كسياسة خارجية تسهّل تخطّي الدول المحيطة، أو بشكل أدقّ مجتمعات الدول المحيطة، لأزماتها السياسية وانسداد آفاقها. وتجنِّدها ثانيًا للتفاوض مع الدول الفارضة للعقوبات وتلك السائرة في ركبها للحصول، بالحجج السياسية والاقتصادية والإنسانية الواقعية، على استثناءات فيما خصّ علاقاتها باقتصاد الدولة المستهدفة ومجتمعها. أليس هذا ما فعلته تركيا حيال العقوبات على إيران؟ والأردن حيال العقوبات على العراق؟ وغيرهما. أمّا في لبنان، فالدولة مفتقدة، والحكومة الواجهة منشغلة في همّ إيجاد أي وسيلة للبقاء على الرغم من فشلها البائس.