الأمين العام لحركة مواطنون ومواطنات لـ الشرق: السلطة اللبنانية سقطت (الجزء الأول)
الجزء الأول من حوار مع أمين عام حركة مواطنون ومواطنات في دولة شربل نحاس أدارته الصحافية أماني جحا ونشر في جريدة الشرق في ٢٤ حزيران ٢٠٢٠ على هذا الرابط
في منزله الكائن في منطقة الأشرفية في العاصمة اللبنانية بيروت، تبرز غرفة مسيّجة برفوف من الكتب. هناك يستقبل زواره فتشعر كأنك تدخل إلى دولته الصغيرة بالحجم، والكبيرة جداً بالمعلومات، والغنية بكتب الاقتصاد والسياسة، والفلسفة والاجتماع وغيرها. هناك يسكن الأمين العام لحركة “مواطنون ومواطنات في دولة” شربل نحّاس، الذي يبدأ حديثه عن المجموعة ونضالها من أجل “بناء الدولة المدنية الديمقراطية العادلة والقادرة”. الحركة تقدّم نفسها أنها تملك طرحاً متكاملاً يحمل حلولاً سياسية، واقتصادية واجتماعية لاحتواء الأزمة التي يعيشها النظام اللبناني “الذي انتهت صلاحيته”.
نحاس الذي دخل مجلس الوزراء مرتين عبر وزارتي الاتصالات (2009-2011) والعمل (2011-2012) في الحكومة اللبنانية، خرج منها عبر استقالة مدوية. رفض التوقيع على ما يخالف قناعاته، ليعود ويؤسس حركته السياسية قبيل الانتخابات البلدية الأخيرة في مارس/ آذار من عام 2016. وفي تعريف مختصر فإن غاية “مواطنون ومواطنات في دولة” إطلاق “حركة سياسية منظمة تقدم إسهاماً حاسماً في إقامة دولة فعلية مكتملة المقومات في لبنان”. و”مشروع اللبناني للدولة، وبقدر ما يمثل قيمة للمواطن ضمنها، هو حكماً مشروع سياسي في الإقليم، وعالمياً، يقدم نجاحه نمطاً جديداً لجدوى ومشروعية إقامة الدول في المساحة الإقليمية، بدءاً من علاقات دولتي لبنان وسوريا. وهو يقف في مواجهة سياق مديد ومتجذر، ظاهره التفتيت المجتمعي”.
هذه الحركة لمع نجمها اعلامياً وشعبياً على نحو واسع خلال التظاهرات الواسعة التي شهدها لبنان في الأشهر الثمانية الأخيرة، في هذا الجزء من الحوار يشرح شربل نحاس ماهية النظام اللبناني والنموذج الاقتصادي الحاكم فيه كيفية عمله.
حدثان أساسيان
يروي نحاس أنه “في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، اندلعت الحرب في لبنان عام 1975 بالتزامن مع حدثين أساسيين: الارتفاع التاريخي لأسعار النفط، والانعطاف الكبير إقليمياً منذ بداية مفاوضات الرئيس المصري أنور السادات مع الكيان الصهيوني، واذا ما قارنا أحداث الحرب اللبنانية بأحداث عام 2011 تقريباً، أي بعد مرور 35 عاماً، نلاحظ أن قسماً كبيراً من البلدان المجاورة تشهد حروباً أيضاً. دامت الحرب سابقاً بسبب التمويل المادي الوفير، ونتج عنها تغير عميق في المجتمع”.
ويضيف “انتهت الحرب، وليس لأن القيادات أرادت ذلك بل لأن التدخل الخارجي والعوامل المرافقة في ذلك الوقت، من انهيار الاتحاد السوفييتي ودخول أمريكا على خط الصراع، إلى مسيرة السلام في الشرق الأوسط، كله أدى إلى خاتمة تُوجت بجمع الأطراف المتنازعين ودعوة بعض المتمولين اللبنانيين في مدينة الطائف في السعودية عام 1989، ليتم توقيع ما يُعرف باتفاق الطائف”.
لماذا قبل معظم الناس بهذا الاتفاق؟ يشير نحاس في هذا الإطار إلى أن “ما دفع الناس إلى قبول اتفاق الطائف هو الثمن الباهظ خلال 15 عاماً من الحرب الأهلية، والملل الذي أصابهم من العيش داخل الملاجئ، ومن الخطر الذي رافق حياتهم طيلة فترة الحرب. ومنذ اتفاق الطائف حتى أواخر العام الماضي، عاش لبنان كما لو كان بلداً نفطياً، وهو ما يستدعي من الدول العربية المجاورة، سواء تلك التي تعيش حروباً أو الدول المستقرة منها نسبياً، أن تأخذ بعين الاعتبار ما يعيشه لبنان اليوم حتى تتفادى الوقوع في أزمة مماثلة”.
ائتلاف الزعماء
يشرح نحاس ما يحدث على الساحة اللبنانية قائلاً: “كبلد نفطي، الحاكم يُراهن على نفسه كي يستطيع الاستمرار بأدائه، وعليه أن يُرضي المنافسين، لأن الثراء أصبح موجوداً بحكم وجود النفط، فكيف يكون الحال اذا كان الحاكم هو ائتلاف لزعماء خاضت حرباً ضروساً، وبالتالي عليهم إرضاء بعضهم البعض، وكل منهم عليه إرضاء جماعته (الجماعة قد تكون طائفة، حزب أو عشيرة) وفي الوقت عينه عليه أن يُبرِز إلى الملأ، أن زعيم المجموعة الأخرى أيضاً يمتلك القوة ويستطيع التصدي له. ومن هنا لكي يضمن الاستمرار في حكمه، عليه أن يُوزع الثروات التي أتت من حيث لا يدري. وتظهر المشكلة في المجتمع الذي اعتاد على نمط حياة معين طبعاً، في حال توقف ضخ المال بسبب انخفاض سعر النفط مثلاً”.
الاغتراب والرفاهية
ومع أن لبنان ليس بلداً نفطياً “لكن الاغتراب اللبناني جعله من عداد الدول التي تعيش حال من الرفاهية، بفعل تحويلات المغتربين الكبيرة لأهلهم في لبنان، ليتضح أن البلاد تصدر “البشر”. وعلى الرغم من التحويلات الكثيرة، إلا أن السلطة لجأت إلى خلق نظام اقتصادي جعل اللبناني مؤمناً بحماية ودائعه في المصارف، غير أنها تبخرت إما بفعل السرقة أو استخدامها من قبل الدولة”.
وعن مفاعيل هذه “الخطة” بين الناس وتأثيرها، يلفت الوزير السابق أن “هذه الخطة الاقتصادية جعلت الكثيرين يملكون مالاً وفيراً ويستقدمون من يعمل عنهم لأنها سهلت طريقة عيشهم. وما جعلهم متمسكين بهذا النظام الاقتصادي سببين: منفعة وقلق. منفعة تعود عليهم بالمال من دون جهد. والقلق من انتهاء هذه الفسحة المريحة من النظام الاقتصادي المريح”.
لا يخلو الأمر من بعض المشاكل بين الأطراف بحسب نحّاس، لأن أحدهم قد بات غنياً أكثر من الآخر، لكن سرعان ما يتدارك الأمر الباقون وتكمل القافلة مسيرها. وينوه إلى أن هذا النمط الاقتصادي أصبح سائداً عند معظم الدول العربية المجاورة، وما عليهم سوى الانتباه الى نتائجه.
وفي هذا السياق أيضاً، يؤكد أن بعض الظروف حصلت، وهي ظروف لا ترتبط مباشرة بما يحدث على الساحة، أدت إلى انخفاض سعر النفط، وبالتالي أثر ذلك على المغتربين والمهاجرين اللبنانيين العاملين في الخارج، فلم تعد الأموال المرسلة إلى لبنان كافية، بالإضافة إلى أسباب إقليمية أدت إلى اغلاق الحدود مع بعض الدول بسبب الحروب القائمة على الأطراف (سوريا مثلًا). ويلفت نحّاس إلى إشارات متكررة قد حدثت: وقف التسليف، وقف القروض، تقنين البنزين والمازوت وغيرها.
أدت هذه الاشارات في النهاية إلى نزول المواطنين إلى الشارع في ١٧ أكتوبر/ تشرين الأول عام 2019، كرد فعل للتعبير عن رفضهم لما بدأ يتحقق بالفعل. وهذه ما سيفصله نحاس في الحلقة الثانية والأخيرة من الحوار.
بطاقة تعريفية
شربل نحاس: مواليد بيروت سنة 1954.
• درس الهندسة والتخطيط في باريس إلى جانب العلوم الاقتصادية والأنتروبولوجيا. وبعد عودته إلى لبنان سنة 1979، علم في الجامعة اللبنانية لمدة 12 عاماً.
• كان مسؤولاً عن إعادة إعمار وسط بيروت بين 1982 و1986، وعمل في القطاع المصرفي حتى عام 1998، فخاض الانتخابات البلدية في بيروت ضد لائحة ائتلاف السلطة.
• وضع “برنامج تصحيح مالي” (1998 و1999) وعمل ضمن الفريق الذي وضع “المخطط الشامل لترتيب الأراضي في لبنان” (بين 2002 و2004) وقاد الفريق الذي وضع “خطة الاستثمارات العامة” (2005 و2006). وهو منذ ذلك الحين يعمل في مجالي الاستشارات والأبحاث الاقتصادية والمدنية.
• وضع “استراتيجية التنمية الاجتماعية في لبنان” وحضّر اقتراح قانون حول إصلاح نظام ضمان الشيخوخة. نشر عدة أبحاث، لا سيما حول مسائل التعليم والهجرة والعمل.
• تولى وزارتي الاتصالات (2009 ـ 2011) والعمل (2011 ـ 2012) في الحكومة اللبنانية.
لقراءة الجزء الثاني إضغط على هذ الرابط.