شربل نحاس: مشروعنا دولة مدنية في لبنان
الجزء الثاني من حوار مع أمين عام حركة مواطنون ومواطنات في دولة شربل نحاس أدارته الصحافية أماني جحا ونشر في جريدة الشرق في ٢٥ حزيران ٢٠٢٠ على هذا الرابط
لقراءة الجزء الأول إضغط على هذا الرابط.
في الحلقة الأولى من المقابلة التي أجرتها صحيفة “الشرق” مع شربل نحاس، الأمين العام لـ”حركة مواطنون ومواطنات في دولة”، الحركة التي كما سبق وذكرنا، تقدّم نفسها على أنّها تملك طرحاً متكاملاً يحمل حلولاً سياسية واقتصادية واجتماعية، لاحتواء الأزمة التي يعيشها النظام اللبناني “الذي انتهت صلاحيته”. وقد أخبرنا نحّاس عن ماهية النظام اللبناني والأسباب التي أدت إلى تحرك الشارع اللبناني في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019. في هذه الحلقة يحدثنا نحّاس عن مرحلة ما بعد 17 تشرين، وعن حالة الانهيار التي يعيشها النظام اللبناني وطرح الحركة للحل الذي تعتبره مخرجاً منطقياً وعقلانياً للأزمة. ويفسّر سبب نزول المواطنين في البداية بأنه كان سعياً لإعادة نمط حياتهم كما كان عليه، ولم تكن الاعتراضات والمطالبة تحملُ تصوراً مختلفاً أو صيغة مختلفة للاقتصاد والمجتمع والسياسة.
النزول للشارع
ويشرح نحّاس، أنه في ذلك الوقت تفاجأت الأحزاب اللبنانية بنزول مناصريها إلى الشارع. ولم تكن التحركات السابقة لـ17 تشرين للمتعاقدين والعسكريين السابقين الا تأكيداً على ذلك، لأنّ مطلبهم الأساسي كان عدم المسّ برواتبهم. وبالتالي حتى أن 17 تشرين لم يكن اعتراضاً على طبيعة النظام الاقتصادي إنّما تمسّكاً به. لكنه بطبيعة الحال كان مفاجأةً، وشكّل صفعة للأحزاب اللبنانية الحاكمة جميعها، فحاولت أن تتماسك عبر طرحها الورقة الاصلاحية للحكومة، التي لم تلق تجاوباً في الشارع، فبقيت الاعتراضات.
ارتاح الناس لوجودهم في الشارع، كما لو كانت فسحة لم يعتادوا عليها سابقاً. بدا للجميع أنّ ما يحدث في الشارع هو بداية نهاية اتفاق الطائف، وبالتالي حان وقت لمّ الشمل لمحاولة احتواء الأزمة، وفُتحت بذلك جبهات الاتفاقات المعلنة وغير المعلنة. وبعض الأحزاب
أرادت ركوب موجة الشارع كحزبي القوّات اللبنانية والاشتراكي، فبين خسارة حصّة من الأرباح وخسارة الجماعة وثقتها، البعض فضّل خسارة الحصة اذا كانت واقعة حكماً. في المقابل، تردّد تيار المستقبل كثيراً، والبعض الآخر كحزب اللّٰه وحركة أمل والتيار الوطني الحرّ، فضّلوا اختيار نظرية المؤامرة، واعتبار التحرّك في الشارع موجهاً ضدّهم حصراً لتنفيذ أجندات خارجية. ولمحاربة منطق المؤامرة كان عليهم ايجاد واجهة معيّنة، فكانت الحكومة وكان رئيسها حسان دياب، بعدها ظهر فيروس كورونا، وربّما كان هدية من القدر للبنان لإعطائه بعض الوقت الإضافي. ويضيف نحّاس: 17 تشرين الأوّل 2019، هو ردة فعل عفوية متأخرة، تُعبر عن شعور الناس، كل منهم تجاه زعيمه، بأنهُ خان العهد المتفق عليه ومن هنا كانت العبارة الشهيرة: كلّن يعني كلّن. فحتّى ذلك الوقت لم تكن تعي الناس أنّ الأزمة واقعة حصلت.
انتفاضة لبنان
يُطلق “نحّاس” على الشارع تسمية “انتفاضة” ويؤكد أنها لم ترتق إلى مرتبة “الثورة”، فالمواطنون أنفسهم من صوّت في الانتخابات الأخيرة لنفس الطبقة الحاكمة. لكن عملية الاستيعاب كانت سريعة جداً ومُحكمة بشقّيها: المنتفضين ومن يواجهون. السلطة القمعيّة عملت بتوازن مخيف في مواجهة الشارع، فكسبت الوقت من دون معالجة الأزمة. الماكينة الفعلية التي عملت طوال الفترة السابقة، هي ماكينة التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان، التي ظهرت على شكل تعاميم، وإغلاق المصارف، وتحويل الدولار إلى العملة المحلية، والاحتفاظ بالدولار من الأموال المحوّلة عن طريق شركات التحويل.
مرّت 8 أشهر على انطلاق الانتفاضة، لكن الوعي يتأخّر عادةً عن الحدث، وبعد مرور الوقت استحقّ ما يحدث فعلاً، لأنّ كثرا باتوا عاطلين عن العمل، ولأنّ قيمة الليرة انهارت أمام الدولار. لكن ما لم يعه اللبنانيون أنّ زعماء الطوائف الستّة، الذين يعاودون التموضع اليوم هو سبب ما آلت إليه الأمور. وبالتالي الحدث يسبق الادراك عند الجميع، وهذا موجود ليس فقط عند الجمهور، بل على مستوى القيادات أيضاً.
ويرى نحّاس أن هذه الصفة هي صفة الناس في مجتمعاتنا العربية وليست خاصية للمجتمع اللبناني، لأنهم يعيشون عادة حالة من القلق، ويعود سبب ذلك إلى أن المنطقة بأكملها تُعتبر ساحة للصراعات العالمية والدولية، فتنشأ لديهم نزعة لإقناع أنفسهم بأن الحال على ما هو عليه منذُ البداية وهو ما يعطيهم شعور بالاطمئنان، وهذا يدفعهُم إلى الدفاع عن طريقة عيشهم، القابلة للاستمرار وهو ما يُعطيهم براءة ذمة من أي مسؤولية كانت. هم ليسوا سعداء بالمطلق إنما راضون بما يعيشون، وهو ما يجعل المسألة قائمة على ركيزتين أساسيتين:
أولاً: القبول بأي ترتيب يمكنه تأجيل المحتوم، من منطلق عدم وجود بديل وأن الحال منذ البداية على ما هو عليه. ثانياً: إذا حدث أي تغيير، فهذا التغيير مسؤولة عنهُ القرارات الخارجية وليس قراراً محلياً، وهذا ما يجعل الموجود مراهناً على كسب بعض الوقت، استناداً إلى معطياته وأين سترنو الحلول.
عجز السلطة
يلفت نحّاس إلى أن المشكلة عند الزعماء والشعب سواء، هي التأجيل، ويقول أنه ينفع في حال كان الوضع طبيعياً، أما إذا تغيرت الوقائع فلا ينفع. السلطة فقدت القدرة ولديها عجز في التعامل مع المتغيرات في المنطقة والعالم، على المستوى المحلي. وفي ظل كل ذلك هناك طرح إلى حدّ ما، لكنه غير مضمون، وهو بالدرجة الأولى يُعتبر تحدياً، وهو إقامة دولة فعلية لا تعتبر أن القرار المؤجل أخف وطأة أو تنتظر قراراً خارجياً والتصرف على أساسه.
شربل نحّاس، ومن خلال “حركة مواطنون ومواطنات في دولة”، يطرح إقامة دولة مدنية برؤية شاملة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وبطرح مسألة تفاوض وانتقال سلمي للسلطة من باب الضرورة. وعليه، فإن إقامة دولة فعلية في مجتمعات مقسمة إلى سلطنات، ولديها زعاماتها، يعتبر أمراً بغاية الصعوبة. وهنا الأمر الأهم: ما هو التفاوض على انتقال وتسليم سلمي للسلطة؟
يستشهد نحاس بأكثر من حادثة تاريخية تم فيها تفاوض وانتقال سلمي، يجد لها المتنازعون مخرجاً، ومن هُنا يستحضر اتفاق الطائف واتفاق الدوحة (2008) كمخرجان أساسيان، حصلا في الفترة السابقة لحل أزمات معينة. فتغيير النظام يُصبح حاجة، لأن الوضع القائم سواء أحببنا أم لا، انتهت صلاحيته.
في هذا الصدد يعتبر نحاس أن التفاوض على انتقال سلمي للسلطة، ليس خيالياً بل واقعياً، وحال مكررة في حوادث مماثلة. ويُشير إلى أننا كلبنانيين، نقترب كثيراً من الخطر، وبناءً عليه علينا اتخاد قرارات سريعة لانقاذ ما تبقى. وهذا الطرح بدأ يلقى تجاوباً عند شريحة من اللبنانيين.
يختم نحّاس كلامه بالقول إن السلطة نفسها تعي اليوم المأزق الذي تعيشه، وهذا يعني أن منسوب القلق يتزايد. ولأن السلطة قد قامت بأداءٍ سيئ سابقاً، وارتباطاتها في الفساد تعيق عملية الاصلاح والمحاسبة، فليستلم السلطة وسدة القرار من هو من خارج المنظومة لمدة سنة ونصف السنة على الأقل، وهذا الأمر من شأنهِ إعادة العجلة الى دورانها. صحيح أن من يتسلم الحكم متهور ومغامر، ومن هنا يطرح نحّاس نفسهُ، مع مجموعته، لهذا الوقت المستقطع، مشدداً على أن الفشل يكون من مسؤولية من يمسك الحكم في هذه الفترة، وإذا ما نجح فالمهمة تدار بحسب اتفاق سابق بين جميع الأطراف.