هل توحيد مجموعات المعارضة ضرورة

مع انهيار النظام الاجتماعي-السلطوي وبنيته المؤسسية، تنهار جميع الأوهام التي بنيت على مدى عقود ويفقد الناس كل المعالم والقيم المجتمعية التي بنوا واقعهم على أساس وجودها. في هكذا لحظات، رفض ومعارضة النظام، وان كانا محقّين، لكنّهما لا يكفيان. عندما يدخل المجتمع في المجهول، يتمسّك أبناءه بما يعرفنه مهما كانت هشاشته. لذلك تقديم تصوّر سياسي واضح لنظام اجتماعي-سلطوي جديد ضرورة مسبقة لأي عمل معارض جدّي، ان كان حزب سياسي   أو تحالف أو جبهة معارضة موحّدة.

حتى الآن، لم ننجح في إقناع أحزاب ومجموعات المعارضة بأهمية توضيح الرؤية والعمل على تشكيل بديل يتحمل مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية. التواصل بين المجموعات اقتصر على التنسيق الميداني، وهو يبقى بالتالي دون مستوى تطلعات الناس ودون ما نحن بحاجة إليه من أجل إحداث التغيير.

خلال السنوات الخمس الماضية، كان لحركة مواطنون ومواطنات محاولات عديدة لجمع قوة المعارضة حول مشروع سياسي واضح:

  • قبل خوض الانتخابات البلدية سنة ٢٠١٦ وتأسيس الحركة فيما بعد، كان من المفترض أن تكون مواطنون ومواطنات إطارا جامعا لقوى المعارضة لتشكيل بديل عن سلطة أصبح واضحاً أنها تترنح. لكن المحاولة لم تنجح وطغت اعتبارات ضيقة لم تسمح بتشكيل بديل سياسي عن السلطة،
  • استباقاً لانتخابات النيابية الماضية، رأينا في خلافات السلطة حول قانون الانتخاب فرصة لخرق جدارها والدفع نحو قانون يرسخ شرعية الدولة المدنية دون أن يطيح بالضوابط التي تشكل خطوط التّماس بين الطوائف. كان لنا على أثر ذلك محاولة جديدة لجمع قوى معارضة حول طرح سياسي واضح من خلال حملة “الدولة المدنية”. شارك في هذه الحملة ٤٣ مبادر ومبادرة ينتمي الجزء الأكبر منهم إلى مجموعات المعارضة البارزة آنذاك والجزء الآخر هم شخصيات سياسية واجتماعية وإعلامية تتمتع بمصداقية،
  • كانت حملة “الدولة المدنية” المدخل إلى اجتماع عدد من المجموعات في محاولة جديدة لبلورة بديل سياسي. لعبت حركة مواطنون ومواطنات في دولة دور أساسي في تشكيله وكان من المفترض على التحالف أن يقدم مرشحين ملتزمين بهذا  المشروع. لسوء الحظ، هاجس التوحيد طغى على ضرورة الوضوح، ففضّلت أطراف كثيرة توسيع الجبهة حتّى تحولت الى تحالف انتخابي فاقد للوضوح السياسي. تُرجِم ذلك في النتائج وانفكّ التحالف مع انتهاء الانتخابات،
  • عندما تحولت تحذيرات مواطنون ومواطنات في دولة إلى واقع مع انتفاضة تشرين، اعتبرنا أن هذا الحدث فرصة أخرى لجمع القوى المستعدّة لتحمّل مسؤولية إدارة المرحلة حول مشروع سياسي، ولكن الجبهة عجزت عن التّشكّل حتى اليوم.

كما في الماضي، لن تتوقف مساعينا لجمع القوى المعارضة حول مشروع سياسي واضح، ولكن علينا العمل أيضاً وأولاً على تقوية الحركة، من حيث التأييد والتّنظيم، لرفع قدرتها على المواجهة وعلى التأثير، وصولاً الى تظهير ميزان قوى قادر أن يفرض جدول الأعمال في وجه ائتلاف زعماء الطوائف.