على اي اساس نتوقّع من زعماء الطوائف أن يقبلوا بالتفاوض على الانتقال؟

عاش الناس وعاش معهم الزعماء في وهم. وهم الازدهار، وهم حتمية الهجرة، وهم أموال المغتربين التي يستقطبها النظام المصرفي الاستثنائي، وهم الليرة اللبنانية الثابتة، وهم استقرار المؤسسات الدستورية والأعراف المواكبة لها، وهم العيش المشترك، وهم السلم الأهلي، وأخيرا وليس آخراً وهم قوة الزعماء.

انهيار الوهم يعني انهيار الأدوات التي استعملها زعماء الطوائف على مدى ثلاثين عاماً لرشوة المجتمع وضبطه والامساك به، وكلما ازداد الوضع سوءاً، كلما ازدادت فرص الانشقاقات وتفكك أحجار من جدار منظومة السلطة. يعجز زعماء الطوائف وظيفياً عن التعامل مع هذا الوضع لأنه نقيض الدور الذي لعبوه لسنوات. فعلى من يتولى المسؤولية اليوم أن يوزع خسائر في وقت بنوا سلطتهم على توزيع المغانم.

انطلاقا من هذه القراءة، يواجه الزعماء ضغوطاً داخلية وخارجية حادة:

الضغوط الداخلية:

أي قرار يتخذه الزعماء اليوم، في ظل الأزمة، أي تراكم الخسائر، سوف يضرّ بمصالح فئة ويعزّز مصالح فئة أخرى، ولو نسبياً. هذا النّوع من القرارات إن اتخذها زعيم طائفة، ومهما كانت مضامينها، سوف يتسبب له بخسارته تأييد أناس من طائفته من دون أن يكسبه تأييد أناس من طائفة أخرى، ولو راعى مصالحهم. الزّعماء هم أسرى لأدوارهم الطّائفيّة، وبالتّالي هم عاجزون عن إدارة الأزمة. إنّ الوضع المالي والاجتماعي الخطير الذي آلت إليه البلاد يشكّل ضغطاً عليهم. صحيح أنّهم زعماء حرب ولكن هذا لا يعني أنّهم يستسهلون خوض حرب جديدة أو المراهنة على تقسيم البلاد. يجب ألا ننسى أنّهم اختبروا الحرب وأنّهم يعرفون جيّداً أن زعماء قبلهم اغتيلوا أو قُتل أحد أفراد عائلاتهم، هم مدركون أنّ أيّة اضطرابات داخليّة يمكن أن تسبب لهم خطراً شخصياً مباشراً. جل ما يقومون به اليوم، بسبب عجزهم، افتعال الخلافات وإلقاء التهم على بعضهم البعض، ما يزيد التشنج الطائفي ويرفع منسوب المخاطر الأمنية.

الضغوط الخارجية:

يتوهم البعض أن أي تدخل خارجي في لبنان هدفه ترميم المنظومة بالشكل التي كانت عليه، في وقت أنّ الدول الإقليمية والعالمية هدفها إما المحافظة على حد أدنى من الاستقرار، ولو بشروط عيش دنيا للمواطنين، وإما استعمال لبنان كورقة تفاوض في صراعاتها. وفي كلتا الحالتين لا تأثير للزعماء على ما يقرره الخارج، و هم قلقون جدّاً مما قد تؤول إليه أية اتفاقات، لذا يحرصون على تقديم أوراق اعتمادهم عند من يستطيعون الوصول إليه من تلك الدول.

نتعامل مع الخارج انطلاقا من أن لبنان دولة. العداء حالة استثنائية بين الدول لما يرتب من تبعات جدية، ولبنان في عداء مع المشروع الصهيوني لأنه مصمم لتقويض مجتمعنا وأسس الدولة المدنية التي تحميه. أما سائر الدول فعلاقات لبنان معها تقوم على مراتب مختلفة من تلاقي المصالح أو تباعدها. وعليه، فإننا في تواصلنا مع الأطراف الخارجية، نقدر بدقة مصالح كل منها ونبين بوضوح كامل ما يتناسب مع رؤيتنا لحاجات المجتمع اللبناني، في الظرف الواقعي الذي نعيشه، وهذا بدوره تفاوض.

المقايضة المطروحة اليوم أمام زعماء الطوائف واضحة. إما المجازفة بخسارة كل شيء، متى أقلعوا عن إنكار عجزهم وعن نقل قلقهم إلى الناس بتأجيج الانشقاقات الداخلية واستقدام التدخلات الخارجية، وإما التفاوض على خسارة بعض ما راكموه من سلطة ونفوذ وبقائهم في الحياة السياسية إنما من ضمن دولة تحظى بشرعية مدنية كاملة، مقابل القبول بالتخلي عن السلطة خلال مرحلة انتقالية وفق مشروع واضح المعالم، قد ينجخ وقد يفشل. ودورنا طبعا أن نعزز حظوظ نجاحه.