الصدمة بين الإنذار والإنكار
تمكّن هذا النظّام الماليّ من الاستمرار واستفاد من مفعول منشّطات باريس 2. بالرغم من التوتر السياسي، ومفاعيل حرب تموز، والحرب في سوريا، استفاد النّظام من ارتفاع سعر النفط وتعاظم دفق الأموال التي ساهمت به الأزمة الماليّة العالميّة (عامّ 2008). لكن هذه المنظومة تعطّلت، في ظل بيد حكومة هزيلة عامّ 2015، وارتفعت المخاطر وأتت أزمة النفايات كإشارة تحذير، ليشهد عام 2016 محاولة ترميم أولى تم تنفيذها على ثلاث جبهات: على الصعيد المالي بتغطية خسائر المصارف وبالهندسات المالية بنحو 6 مليار دولار، على الصعيد الشعبي بمهرجان الانتخابات البلدية، وعلى الصعيد السياسي حيث تمّ إنجاز التسوية الرئاسية تحت مشورة الخارج..
رغم كل المحاولات لم تدم “الثقة”، فأُطلِقَت محاولة ترميم ثانية عام 2018. نظّمت فرنسا مؤتمر سيدر الذي وعد بجلب المليارات، في حين كان مصرف لبنان يكتتب بسندات يوروبوند ما يقارب 5.5 مليار دولار من أجل جلب الأموال من الخارج، مراهنا على نجاح مهرجان الانتخابات النيابية هذه المرة.
في تشرين الأول عام 2018 أطلقنا في حركة “مواطنون ومواطنات في دولة” تحذيراً من الإفلاس التامّ ودعونا زعماء الطوائف الى التفاوض على التوزيع العادل والهادف للخسائر بشكل استباقيّ لأنهم عاجزون وظيفياً عن إدارة الأزمة التي باتت محتومة.
مع تمسك الزعماء بأوهامهم وسعيهم لتخفيض العجز صورياً بشطب بند خدمة الدين الى حدود الصفر، مراهنين بذلك على معجزة من المصرف المركزي وباعتقادهم أنه من الذّكاء فرض ضريبة على خدمة الاتصالات عبر تطبيق الواتساب، فجاءت مظاهرات 17 تشرين الأول 2019 لتفاجىء الجميع باستثناء المصارف التي قررت في اليوم نفسه التوقّف عن الدفع.