العام الدراسي: التعليم لمن استطاع إليه سبيلًا

ديانا أبو زينب*

تستمرّ المأساة في قطاع التعليم مع تفاقم الانهيار الاقتصادي والاجتماعي الذي يعصف بالبلد. في حين يتسلّم الوزير الجديد عباس الحلبي مهامه في وزارة التربية والتعليم العالي يجد المعلمّون والطلّاب أنفسهم أمام معوقات جمّة تجعل من استئناف العام الدراسي مهمّة شبه مستحيلة للبعض بالرغم من القرارات الأشبه بالأُمنيات للوزير السابق طارق المجذوب.  واعتبر المجذوب أنّ إجراء الامتحانات الرسمية كان إنجازًا، متغاضيًا عن الاعتراضات والشوائب التي واكبتها. فقد كان هناك إصرار من الوزير على إجراء الامتحانات متجاهلًا الظروف الصحية والاقتصادية الكارثية، ومتجاهلًا كذلك الأصوات المعترضة التي علت للطلّاب وأهاليهم. وتمّ هدر المال والطاقة والمجهود لإجراء امتحانات لاجدوى منها بدل استثمار هذه الجهود والموارد في إعداد خطة لإنقاذ العام الدراسي المقبل.

يمكننا القول إنّ أحزاب السلطة المسيطرة على أواصر الحكم مربكة وعاجزة في التعاطي مع الغضب والنقمة الشعبية لذلك هي تبحث عن إنجازات وهمية لذرّ الرماد في العيون. معالجات وزارة التربية لم تكن ضمن إطار خطّة شاملة تتدارك أزمات المجتمع عامة، هذا الأمر عمّق الهوّة بين طبقاته. فبعض المدارس، ولا سيما في القطاع الخاص، استطاعت بمميزاتها وقدرتها أن تؤمّن تعليمًا جيّدًا ومبتكرًا وقدّمت البنية التحتيّة اللّازمة للتعليم عن بعد واعتمدت على مجهود وكفاءة معلّمين لديهم القدرة والمعرفة للعمل في هذه الظروف الاستثنائية. بالمقابل هناك مدارس خاصة ورسمية عجزت عن تأمين أبسط المقوّمات الأساسية للتعليم فلم يتلقّى تلاميذها الأحدنى للقيام بعملية التعلم عن بعد.

لذا يمكننا القول إنّ الوزارة ومن خلفها السلطة السياسية الحاكمة عاجزة عن التخطيط وعن اتخاذ القرارت الصائبة التي من شأنها توفير التعليم الجيّد وفرص النجاح بعدالة لجميع أبنائها. فأصبح التعليم في ظلّ هذه الظروف ترفًا لمن استطاع إليه سبيلًا من الطبقات الاجتماعية، إذ تُمعن السلطة السياسية في إهمال فئات من المجتمع باتت عاجزة عن الوصول الى التعليم الجيّد. علمًا أنّ واجبات الدولة الوظيفية هي تأمين تعليم مجاني ذو جودة لكافة أبنائها.

ألم يكن من الأجدى التخطيط للعام الدراسي المقبل والبحث عن حلول  لمنع التسرّب المدرسي بسبب الفقر والعوز، بدل هدر الوقت والجهد والمال الذي من أجل إجراء امتحانات شكلية؟ لم تكن أولويات السلطة تأمين التعليم بشكل عادل لجميع المواطنين، بل استعراض وبروباغاندا لإنجازات وهمية.

فيما تتكرر المسرحية المهزلة للتكليف والتأليف ثمّ التسلّم والتسليم يواجه مجتمعنا عامًا دراسيًّا تهدده عوائق كثيرة: انهيار حقيقي في قطاع الكهرباء والوقود والاتصالات، وغلاء فاحش لا سيما في أسعار المواد الغذائية والمستلزمات المدرسية. أين هي خطة الحكومة لإنقاذ العام الدراسي المقبل؟ ما هي الحلول تقدّمها؟ لكن حكومة أتت لترميم النظام المتداعي وإنقاذ المصارف من تحمل أية الخسائر، لن تعمل إلا على هدر المزيد من الوقت الثمين دون اتخاذ أي قرار مفيد وبنّاء!

تعصف بقطاع التعليم كلّ هذه الأزمات وسط غياب كلّي رهيب للنقابات والروابط التي تركت الساحة ورضيت بتهميش دورها فلم تبدِ رأيًا أو موقفًا ولم تقدم طرحًا أو مشروعًا لحلّ لتداعيات الأزمة على قطاع التعليم بكافة أجنحته الرسمي والخاص. بدت النقابات والروابط، مع الأسف، كأذرع للسلطة الفاشلة، مشلولة القرار، معدومة الرؤيا، عاجزة عن القيام بدورها النضالي في إحقاق العدالة والدفاع عن حقوق المعلمين وعن مستوى التعليم الوطني.

التعليم في وطننا يحتضر! نحن بحاجة ملحّة اليوم قبل الغد إلى حكومة لديها الجرأة والمعرفة والسلطة  لتنفيذ مشروع يضمن حق التعليم الجيد لكافة شرائح المجتمع دون تمييز. نحن بحاجة إلى حكومة تدير عملية التعليم وتقوم بوظيفتها بشفافية محددة سلّم الأولويات في الخطط والموازنات على أساس الحاجات المجتمعية والسياسات الوطنية.

في ظلّ هذه الظروف تجد العائلة التربوية نفسها على عتبة عام دراسي شبه مستحيل مع حالة إنكار عنيدة من قبل الوزارة/السلطة وأصحاب المدارس الخاصة. انهيار نظام النقل يمنع المعلمين والتلاميذ من الوصول إلى المدارس. أزمة الكهرباء جعلت من التعليم عن بعد حلًّا غير قابل للتنفيذ. كما أنّ الصعوبات التي يعاني منها القطاع الصحي ينذر بكارثة صحية مع احتمال موجة كورونا جديدة في الخريف. تطالب  الوزارة ببدء العام الدراسي وينضم إليها اصحاب المدارس الخاصة معلنين قرارت غير قابلة للتنفيذ على أرض الواقع. مرّة أخرى يتمّ استغلال الحلقة الأضعف أي المعلمين الذين يقومون بواجباتهم التربوية بالرغم من الوضع الاجتماعي الصعب الذي حاصر المجتمع برمته. يدفن رأسه في الرمل من لا يعترف أنّ القطاع التربوي لا يمكن عزله عن بقية القطاعات ولاسيما الطاقة والنقل وأن الحلول المطروحة هي عبارة عن بنج موضعي مؤقت لا يمكنه انقاذ المريض. هذه الأزمة ستعمّق الشرخ بين طبقات المجتمع وتساهم وتجهز عليه إذ أنّ قلّة قليلة ستتمكن من الوصول إلى المدرسة ونوعًا من التعليم بينما الأغلبية  لن تستطيع إليه سبيلًا. ومن نتائج الأزمة هجرة كثيفة للمعلمين وللكفاءات التعليمية مما يجعل هذا القطاع وأجيال بكاملها في مهب الريح.

لا حلّ إلّا بخطة اقتصادية شاملة وبقرارات سياسية جريئة نابعة من العلم والمعرفة لإنقاذ التعليم في لبنان. يجب الخروج من الدوامات التي تغرق المجتمع في سجالات لا جدوى لها واضعة المعلمين في مواجهة مع أولياء الأمور تارة، ومع الإدارات تارة أخرى بينما المطلوب لفظ سلطة عاجزة أصبحت خطيرة على وجود مجتمعنا الجاري إعدامه وتصفيته عن جهل أم عن قصد إجرامي. المطلوب دولة قادرة على اتخاذ قرارات  سياسية تبني قطاع نقل وتؤمن شبكة الأمان الاجتماعية من طبابة وتعليم كحقوق للمواطن. هذه القرارات السياسية لا بد أن تشمل التعليم الخاص الذي يتبع في كثير من الأحيان إلى أطراف المنظومة السياسية. يكرر وزير التربية الحالي طارق المجذوب عبارة: التعليم بجناحيه الخاص والرسمي. هذه الصورة النمطية لا معنى لها والواقع أن هذين الجناحين لا يتساويان في كثير من المجالات فكيف سيحلّق هذا الطائر ؟  التعليم يجب أن ينضوي ضمن خطة وطنية شاملة تضعه في أولويات حقوق المواطنين.

قطاع التعليم في لبنان كما المجتمع أمام ازمة وجودية : إما أن يكون أو لا يكون. معركة التعليم في صلب معركة وجود المجتمع وهي في مواجهة سلطة الفشل والعجز والجهل بمشروع وطني كامل العناصر كما تقدّمه حركة مواطنون ومواطنات في دولة.

*عضو في حركة مواطنون ومواطنات في دولة