بيان حول نتائج الانتخابات النيابية-2022
نعتبر أن نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة أتت مشرّفة ومشجّعة لاستكمال مسيرة الاسهام الحاسم في بناء دولة واثقة من شرعيتها المدنية. ولكن، لأن السياسة مسؤولية، لا يمكن لقراءتنا الاولية لنتائج الانتخابات أن تبدأ بغير الاعتراف بأن النتيجة أتت أقل من الطموحات، ولأسباب عديدة سيتم الوقوف عندها وتحليلها داخل التنظيم، وفصل ما هو ناتج عن مدى فعالية إدارة الموارد المتاحة، عما هو ناتج عن حسن تقدير الموقف السياسي من عدمه، وعما هو خارج عن إرادتنا ويعبّر عن حدة المواجهة الفعلية وليس الانتخابية فقط، وهذا ما بدأناه منذ ظهور النتائج وسنتابعه خلال الاسابيع القادمة لاستخلاص العبر وتصحيح ما يقتضي تصحيحه.
في مرحلة التحضير لهذه الانتخابات، قررنا الترشح في كل الدوائر الانتخابية، كي لا يكون طرحنا أسيرا للتقسيم الطائفي للدوائر وللأهواء المتنافرة المزروعة بين ناخبيها، ولكننا أعلنا أن هدفنا من هذه الترشيحات هو الوصول الى تحالفات سياسية على مشروع حكم واضح ومعلن مسبقاً، ينسحب على أساسه مرشحو “مواطنون ومواطنات في دولة” لصالح الحلفاء، وهو ما حصل في أربع دوائر انتخابية، في حين أن الدوائر الإحدى عشر الباقية لم نصل فيها الى تحالف سياسي ولو على مستوى التوجهات الأساسية، فأكملنا باللوائح المؤلفة من أصدقاء ومرشحي الحركة.
أفرزت نتائج الانتخابات وصول حوالي اثني عشر نائباً من لوائح عنوانها “التغيير”، اثنان منهم من لائحة كنا شركاء فيها. أمّا العشرة الباقون، فكنا قد تقاطعنا مع أكثرهم في استحقاقات سابقة، انتخابية وشعبية، تحالفًا أو مواجهة. ننظر اليوم إلى هذه النتيجة من خلال احترام خيارات الناخبين، وإن بيّن سلوك بعض المنتخبين أن خيارنا بعدم التحالف معهم انطوى على سوء ارتقاب من قبلنا، فسنعيد تقييم موقفنا بكل جدية ومسؤولية، ونكون سعيدين بالتعاون معهم، وإن ثبت حسن تقديرنا، فسنتعاطى معهم كخصوم.
لا يمكننا في هذه القراءة الأولية إلا أن نتوقف عند نتائج دائرة جبل لبنان الثانية، المتن، والمواجهة الحادة والفعالة التي خاضتها لائحة “نحو الدولة” ولا سيما الصديق جاد غصن، في وجه لوائح أحزاب عريقة في السلطة، والتي ارتبكت أمام الحالة الشعبية التي انتجتها لائحة “نحو الدولة” فزحفت زعاماتها الى سرايا الجديدة حيث فرز الاصوات، مسلحين بعضلات مرافقيهم وبذاءة لسانهم. أما النتيجة الرسمية المعلنة، بعد ساعات وساعات من الفرز واعادة الفرز، فنعتبرها بالسياسة، فوزًا للائحة “نحو الدولة”، وبالأرقام طعن جدي.
أما في الوضع السياسي العام، فقد تنازلت تعاونية الزعماء وضحّت بأضعف أركانها، مقابل إعادة إنتاج شرعية ما، تبرّر تحميل المجتمع الكلفة الأكبر للانهيار في المرحلة القادمة. وخلال الأيام القليلة التي تلت إعلان النتائج، ظهرت القطيعة مع الأجواء التي افتعلتها خلال أشهر تحضيرا للانتخابات، فعاد الدولار يقفز صعودا والمواد تنقطع وعاد فرض الضرائب والأعباء وعادت الصفقات المالية. وسوف توظّف تعاونية الزعماء الاستقطاب الحاد الذي أنتجته الانتخابات حول طرفي حزب الله والقوات اللبنانية لتلهية المجتمع عن مسار توزيع الخسائر الاجرامي ولتحوير الغضب المعيشي الى حقد طائفي ينذر بتفشي التوترات الطائفية أكثر مما سبق، فيما المجتمع، كل المجتمع، يتحلل بالفقر والهجرة والعنف. هذا الاستقطاب الحاد يأتي كنتيجة لنجاح أحزاب السلطة بفرض جدول أعمال لهذه الانتخابات ببند واحد: مع أو ضد سلاح حزب الله.
بناء على هذا التقييم الأولي، سنكمل داخليا ورشة التقييم العميق، والتصويب في وقت قصير، نأمل بأن يتبعها تلاق جدي وبناء وممنهج مع من يشاركنا القضية الأساس، ألا وهي مسار توزيع الخسائر وشكل الاقتصاد والدولة اللتين يحتاج لهما المجتمع، في مرحلة تزداد المواجهة صعوبة وخطورة. سنعمل جاهدين لنتعلم الدروس فنكون عند المسؤولية التي حمّلنا إياها عشرات آلاف المقترعين وآلاف المتطوعين والمناصرين، ونأمل بأن يلاقينا في هذه المرحلة الدقيقة من استحق تمثيل التغيير وحدد وجهة صراعه.
أخيراً وليس آخراً، تحية تقدير وشكر لكل من أعطانا ثقته رغم الضجيج والإشاعات والأكاذيب، ورغم ميل كثيرين للتصويت لحصان اعتبروه رابحًا سلفاً، حتى من دون تحديد مضمون الربح، نستمد من وعيكم وثقتكم القوة التي منها نفرض مساراً مختلفاً للأزمة، يحوّل كل هذا النزيف المجتمعي والمادي الى تضحيات نبني عليها اقتصاداً مستقرًّا ودولة تتعامل مع كل أفراد المجتمع كمواطنين ومواطنات من دون منّة من أحد.