التعليم في رؤية مواطنون ومواطنات في دولة
قد ندرك، إذا ما تأملنا قليلاً في البلاد والأنظمة التي تنعم بشيء من الطمأنينة والأمل، أنها تضع القيم المشتركة (او المصالح المشتركة) كالتعليم، الصحة، الثقافة، الدفاع، الإقتصاد، البيئة، النقل…. في أعلى سلم أولوياتها. وربما ندرك أيضاً أن وقع هذه القيم على الفرد أهم مما يمكن ان تحققه القيم الصرف شخصية للفرد نفسه. على سبيل المثال: قد يفضّل المرء أن يستقل قطاراً يقلّه خلال ثلث ساعة من بيروت إلى صيدا متأملاً غياب الشمس في البحر على أن يقضيَ ساعة في زحمة السير على مخرج بيروت الجنوبي في سيارته الحديثة الفارهة؛ كذلك رجل الأعمال الذي يريدُ أن يستثمرَ في السياحة مثلاً عبر شركة العائلة، قد يستفيد من بيئة معافاة ومن موظفين بمستوى علمي وثقافي جيد أكثر مما قد يستفيد من رصيد في المصرف (حتى لو كان له حظ الوصول إلى هذا الرصيد)؛ كذلك الشاعر الذي يغوص في نفسه ليلقى شعرَه، لن يجد طاقته الكامنة ما لم يجد من يقرأ شعره والقراءة هي نتيجة مباشرة للتعليم والثقافة في المجتمع.
هذان المثلان الأخيران يسمحان لنا بالانتقال إلى الموضوع الأساسي في هذا المقال: التربية والتعليم. ترتبط القيم المشتركة التي ذكرناها في بداية هذا المقال بشكل مباشر بالتعليم؛ على سبيل المثال، هنالك علاقة وطيدة بين قطاع الصحة والتعليم الجامعي في المجال الصحي وهذا بدوره يرتبط بالتعليم الأساسي الذي يحضر التلاميذ للدراسة في مجالات متعلقة بالصحة سواء من ناحية علمية أو من ناحية الأخلاق اللازمة لممارسة المهن المتعلقة بالصحة. نترك للقارئ العزيز التفكير في الإرتباطات المهمة الموجودة بين التعليم والقيم المشتركة التي ذكرناها أعلاه؛ وإن كنا سنعود أدناه لنقاش كيف أن رؤيتنا للتعليم تتأثر وتؤثر بخياراتنا في السياسات العامة المرتبطة بالقيم المشتركة في مجتمعنا.
فيما نريد أن نركّز هنا على آثار الأزمة الإقتصادية التي نعيشها على قطاع التعليم وعلى الحلول التي نقترحها نحن، في مواطنون و مواطنات في دولة، لنحاول أن نتفق أولاً على أن الموضوع سياسي بإمتياز؛ بمعنى أنه لا يمكن أن نطلب من متخصصين في علم التربية أو من أصحاب الخبرة في مجال التعليم، كالمعلمين او المسؤولين الإداريين أن يهتموا وحدهم برسم رؤية التعليم -وإن كان لهم دور أساسي في ذلك-. الموضوع سياسي، لأنه متعلق بتشكيل المجتمع وبناء الإقتصاد وكلاهما موضوعان أساسيان في العمل السياسي. إذ بدا هذا التصريح نظرياً، لنلقِ نظرة على النموذج التعليمي الذي نشأ بعد الحرب والذي تميّز بخاصتان:
- سمة أساسية لهذا النموذج هي الفرز الطبقي و الطائفي. ترتبط الكثير من المدارس الخاصة بإرساليات أجنبية أو بأحزاب طائفية؛ أقساطها تتوزع لتلائم كل طبقة إجتماعية من طبقات المجتمع. في المقابل تُعتبر المدرسة الرسمية (لا سيما في المرحلتين الإبتدائية والمتوسطة) كبدل عن ضائع.
- إرتباط المناهج البحثية (إن وجدت) والمناهج التعليمية في الجامعات الكبيرة بالحاجات الإقتصادية للبلدان التي يهاجر إليها شبابنا. فيما تكمل المؤسسات الناشئة الصورة ليتوزع الطلاب على الجامعات بحسب إمكاناتهم المادية، ليلعب الدبلوم فيما بعد دور المؤشر للمراتب الإجتماعية، بغض النظر عن مضمون مسيرتهم الجامعية.
هاتان الخاصتان أُسِسَتا لتُشكِلا مجتمعنا الحالي. ومن سماته:
- عزل طائفي أدّى إلى تقسيم البلد إلى فئات تتناتش مقدرات كانت موجودة وغياب كامل لمفهوم المصلحة العامة
- تسرب مخيف لشبابنا من خلال الهجرة، مما ساهم في تحويل العجلة الإقتصادية والمجتمع إلى مجتمع مستهلك غير منتج، والتركيز على كيفية جذب الأموال (ومنها أموال المهاجرين) وإدارتها بمنطق النهب.
هاتان الخاصتان كافيتان لنقض هذا النموذج وإن تباهى به الكثير من الأحبّة لما صرفوا فيه من جهد وأكلاف، سواء ككادر تعليمي وإداري أو كأُسَر. ولكن، بغض النظر عن رأينا في النموذج القائم، فهو يتهاوى تماماً كما النموذج الإقتصادي والسياسي الذي كان قائماً، كما تظهر الأرقام التالية:
- بحسب دراسة للأستاذ نعمة نعمة تتقاطع نتائجها مع تقارير صدرت في عام ٢٠٢١ للبنك الدولي، هنالك مئة وخمسون ألف طالباً على الأقل مرشحون للنزوح من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية غير القادرة أساساً على استقبالهم.
- سبعون بالمئة من أساتذة التعليم الخاص لا يتقاضون رواتبهم كاملة.
ج- لن تتمكن العديد من المدارس الخاصة في الإستمرار لأسباب مادية كما أن الأسر غير قادرة على تحمل زيادة في الأقساط للتعويض. في المقابل، تنوي العديد من إدارات المدارس الباقية الإستمرار في التعليم عن بعد للحد من تكاليف المحروقات، إيجارات المباني والقرطاسية. مع التأكيد هنا على الفشل المخيف للتعليم عن بعد (يمكن للقارئ العزيز على سبيل المثال العودة حول هذا الموضوع)
وبالتأكيد أثر هذا الإنهيار على الجامعات أيضاً: تعاني الجامعة الوطنية لتأمين أبسط حاجات التعليم من ورق وقرطاسية ومواد أولية للمختبرات؛ يهدد الأساتذة المتفرغين بعدم إطلاق السنة الدراسية لفقدان قدرتهم على التنقل وانخفاض قدرتهم الشرائية بشكل كبير-الامر الذي بتنا نراه يحدث الآن-؛ أما الأساتذة المتعاقدين الذي يقع على كاهلهم الجزء الأكبر من حِمل الجامعة، والذين مارس عليهم النظام إحدى أهم عمليات النصب في السنوات الأخيرة، فقلة قليلة منهم لا تفكر بحزم أمتعتها. أما الجامعات الخاصة، فمنها من شرع في دولرة أقساطها لينحصر طلابها بطبقة إجتماعية صغيره جداً، ومنها من التجأ، كما المدارس الخاصة، إلى التعليم عن بعد. ناهيك عن غياب كامل لسياسة واضحة في التعليم العالي توجه الطلاب الخارجين من المدرسة بما يفتح أمامهم آفاقاً لحياتهم في لبنان.
في مواجهة هذا الواقع، نود أن نضع أمام القارئ بعض أوراق عملنا في حركة مواطنون ومواطنات في دولة. سنركز على عنوانين أساسيين في التعليم من ضمن رؤيتنا السياسية:
- تأمين التعليم المجاني والإلزامي في المرحلة الأساسية: في المدارس الرسمية والخاصة.
- ربط المعرفة والإنتاج المعرفي بالحقائق والحاجات الإقتصادية لمجتمعنا.
التعليم المجاني:
تؤمن الدولة التعليم المجاني (الإلزامي حتى نهاية المرحلة التكميلية) للجميع حتى المرحلة الثانوية (التعليم المهني والتقني ضمناً) عبر المدرسة الرسمية والمدارس الخاصة المتعاقدة مع الدولة لمدة عشر سنوات. تؤمن الدولة ميزانيات المدارس الأخيرة التي تلتزم بالبرامج الرسمية بشكل صارم وبشروط قبول التلاميذ. في المقابل، يتم معاملة المدارس غير المتعاونة كمؤسسات تجارية (لناحية الضرائب).
قبل مناقشة أهداف هذا الخيار السياسي، يجب التوقف عند كلفة تطبيقه. لا يخفى على أحد أنّه بخلاف الكثير من القطاعات الأخرى، إنَّ الموارد الأساسية لقطاع التعليم محلية، غير مستوردة. يشكل المعلمون والإداريون القيمة الأساسية في هذا القطاع، وفي رؤية مواطنون ومواطنات في دولة، نؤمن انه يجب علينا الحفاظ عليهم من خلال: التشديد على الأهمية القصوى لدورهم في المرحلة المقبلة في تكوين أفق مشترك لهذا
وإيلاء اهتمام خاص بالتدريب المستمر لهم؛ زيادة الرواتب آخذين بعين الإعتبار التضخم الحاصل ولكن أيضاً انحسار الناتج المحلي الإجمالي: هي إذاً زيادة لن تمنع بشكل مطلق ما نشهده اليوم من تراجع كبير في القدرة الشرائية، ولكن سيُقابل هذا التراجع بالأمان الإجتماعي (لهم ولعائلاتهم) الذي تحققه خياراتنا السياسية في مجالات الصحة، التعليم والنقل. تجدر الإشارة هنا إلى تفصيلين:
- يبقى هنالك حاجات مستوردة لقطاع التعليم: قمنا في حركة مواطنون ومواطنات في دولة بتقدير الحاجات الأساسية منها بخمسين مليون دولار (هو مبلغ جد بخس لما يحقق هكذا خيار للمجتمع). لا نحتسب ضمن هذا الرقم سعر المحروقات، فهي تدخل في رؤية كاملة قمنا بوضعها في الحركة (بين مصالح متعددة: الطاقة و النفط، المجاليات والنقل) بغية تحديد حاجاتنا من المحروقات وإمكانية التقنين في استخدامها من خلال خطتنا الشاملة للنقل، ومن خلال بعض الإستثمارات في قطاع الكهرباء، ومن خلال إعادة النظر بشكل الإستيراد.
- زيادة الرواتب تأخذ بعين الإعتبار خيارات سياسية (في قطاعات الصناعة، الزراعة، الطاقة والإتصالات) من ضمن مشروعنا لتفعيل الإنتاج؛ كي لا تؤدي هذه الزيادة إلى المزيد من التضخم.
سنعرض فيما يلي لنوعين من الأهداف لخيار التعليم المجاني:
- تربويًا، تأمين التعليم الجيد للجميع وحماية المجتمع:
أ-كما عرضنا أعلاه، في غياب هذه الرؤية التي نحملها لقطاع التعليم و في ظل النموذج القائم، هنالك خطر كبير ومتزايد للتسرب المدرسي ( كما يظهر
من جهة وتعليم صوري معمم عبر الإنترنت من جهة ثانية. هذا يعني أن آلاف الأطفال في أعمار مختلفة لن يصلوا إلى تعليم جيد وسيكونون عرضة للخطاب السياسي القائم الذي، وبسبب غياب المشاريع السياسية لكافة “الأفرقاء”، يلقي باللوم على الأفرقاء الآخرين في تردي حال المجتمع وفي تهديم أي أفق لهذه الأجيال التي ستنشأ إذاً على كراهية “الآخر” والخوف منه وبالتالي القلق الدائم، وهنا تهديد للمجتمع بالإنفجار واسوأ الاحتمالات.
ب-رفع حمل التعليم عن كاهل الأهل: تقدر حركة مواطنون ومواطنات في دولة كلفة التعليم التي تقع على كاهل الأسر في الظروف الحالية وضمن النموذج القائم بما يقارب ثلث مداخيلها. سيعطي إذاً خيار التعليم المجاني هامشاً لهذه الأسر التي أطبقت الأزمة وغياب الأفق السياسي مع المنظومة القائمة على أنفاسها.
- في ظل دولة تسهر مؤسساتها على المصلحة العامة، هنالك جوانب ايجابية للأزمة قد تسمح بتحويل الإقتصاد إلى إقتصاد منتج. فانخفاض سعر صرف الليرة، كما اتباع سياسة مختلفة لنسبة الفائدة في مصارف قادرة على القيام بدورها، أديا إلى خفض كلفة اليد العاملة وإلى إمكانية خفض الكلف العقارية. هذه العوامل تشجع الإستثمار وتعطي منتجاتنا قدرة تنافسية مع الخارج. ولكن قدرتنا على الإنتاج مشروطة بقدرة نظامنا التعليمي على تخريج قوة عاملة ماهرة تلتقي مع حاجات قطاعاتنا الإنتاجية. هذه إحدى الأسباب التي تجعلنا في حركتنا السياسية، نولي اهتماماً كبيراً بقطاع التعليم.
- سياسياً، تحقيق مقومات الدولة المدنية.
- يشكل التعليم، كما الصحة، إحدى أهم أدوات الإبتزاز للمواطن التي يستعملها النظام السياسي القائم. من خلال الزبائنية، يؤمن هؤلاء التسجيل في هذه المدرسة الرسمية أو تلك، أو يؤمنون منحة للتسجيل في مدرسة خاصة تحمل في طيات برامجها رؤية ضيقة للمجتمع لا تمت بصلة للبرنامج الرسمي. يسمح خيار التعليم المجاني بالتحرر من هذا الإبتزاز و ما يتبعه من قلق يقض مضاجع المواطنين (وليس مثال المواطن الذي أحرق نفسه لرفض إحدى المدارس تسجيل أولاده بسبب عدم قدرته على تأمين القسط إلا تعبيرا ً واضحاً عن عنف هذا القلق).
- يعزز خيار التعليم المجاني شرعية الدولة المدنية من خلال التعبير عن فعالية الدولة في تأمين إحدى الحاجات الأساسية للفرد من جهة ومن خلال البرامج المدرسية الموحدة التي تساهم في بناء أفق مشترك لهذا المجتمع.
- يساهم خيار التعليم المجاني (وصنوه، التأمين الصحي الشامل) في تغيير مفهوم العمل السياسي: يرتبط دور الأحزاب السياسية في نظام تقاسم الحصص القائم بشراء الولاءات عبر تأمين حاجات أساسية للمواطن كالدخول إلى المدرسة أو المستشفى. هذه حقوق يجب ألّا تمر عبر الحزب السياسي وحينما ننتزعها، ندفع العامل في السياسة على التفكير في صلب عمله وهو بناء مشروع سياسي يهدف للحفاظ على المصلحة العامة. على أساس هذا المشروع ينحاز المواطن إلى هذا الحزب أو ذاك ولا يعبر انحيازه عن علاقة زبائنية أو ابتزاز.
قبل أن ننتقل إلى العنوان الآخر في هذا المقال من رؤية مواطنون و مواطنات في دولة للتعليم، نود أن نظهر بعض ارتباطات خيار التعليم المجاني بخيارات أخرى لحركتنا في مجالات عدة:
- التعداد السكاني للمقيمين وهو يشكل خطوة أساسية في مشروع حركتنا السياسية للمرحلة الإنتقالية إذ أنه ضرورة مطلقة لرسم السياسات العامة. يسمح هذا التعداد برصد المقيمين بين عمر ٣ و ١٨ سنة وبالتالي بالحرص على تمكينهم من الوصول إلى المدرسة؛ وخصوصاً يسمح بتحقيق مجانية التعليم للجميع: ليس القسط هو الحاجز الوحيد اليوم أمام التحاق بعض الأطفال بالمدرسة؛ هنالك من الأهل من ليس بإمكانهم الحصول لأطفالهم على القرطاسية، على الملبس، على المأكل (بحسب تقرير لليونوسيف، ٣٠ بالمئة من الأطفال في لبنان لا يأكلون ثلاث وجبات في اليوم لعدم قدرة الأهل على تأمينها) وهم يعيشون في أماكن نائية بعيدة عن المدارس وغير قادرين على تأمين أجرة الباص الذي يقل التلاميذ. على الدولة أن توفر التقديمات الإجتماعية اللازمة لهؤلاء بحسب ما يظهره الجانب المالي من التعداد السكاني حول مداخيلهم وبما يؤمن لأطفالهم الإلتحاق بالمدرسة بعيداً مرة أخرى عن شراء الولاءات والإبتزاز بكراتين الإعاشة.
- المجاليات والنقل: يتلازم مشروعنا لتأمين التعليم المجاني والحضوري للجميع مع خطتنا للنقل العام وهي أساسية لنقل المعلمين و التلامذة. تظهر هذه الخطة إمكانية خفض نسبة استعمال السيارات الخاصة من ٩٥ بالمئة (من الكيلومترات) إلى ما يقارب ال٥٠ بالمئة فقط من خلال تنظيم النقل المشترك (الخاص والعام). كذلك نهتم في الحركة بالتوزع الجغرافي للمدارس بما يسمح بتقريب التلاميذ من مدارسهم من جهة وبمكافحة الفرز الطائفي من جهة أخرى.
- الصحة والبيئة: تشكل المدرسة في رؤيتنا حلقة أساسية في التوعية الصحية و البيئية وفي تأمين الغذاء السليم للأطفال. هي ليست فقط مكان تعلم، بل مكان حياة أيضاً لأطفالنا ولسعادتهم دور أساسي في تأمين سعادة المجتمع؛ تلعب الطبيعة والبيئة المحيطة بالمدارس دورا ً أساسياً في نمو الأطفال وسعادتهم (ستصدر هذه الأفكار في نص لمصلحة التعليم في حركة مواطنون ومواطنات في دولة قيد التحضير). كما يشكل التأمين الصحي الشامل، وهو خيار أساسي آخر في مشروعنا للمرحلة الإنتقالية، شبكة أمان أساسية ليتمكن الأطفال وأهلهم من إيلاء المدرسة حقها؛ في الوضع الحالي، يشكل الوصول إلى الدواء والطبابة والغذاء الشغل الشاغل للناس.
ربط التعليم العالي بحاجات وخطط البلد الإقتصادية
كما ذكرنا أعلاه، تشكل الأزمة فرصة للتحول من إقتصادنا القائم على النهب وتوزيع الحصص إلى إقتصاد منتج. بنينا في حركتنا السياسية تصوراً دقيقاً لفرص العمل التي يمكن أن يفرزها هذا التحول على مدة تتراوح بين خمسة أعوام وثلاثين عاماً.
في رؤيتنا، ترتبط المناهج البحثية والتعليمية في الجامعة اللبنانية والجامعات الخاصة القادرة بهذه الحاجات؛ أما الجامعات والمعاهد الجامعية الباقية فسيكون لها دور أساسي في التدريب المهني للمساهمة في تحول العاملين في قطاعات قضت أو ستقضي عليها الأزمة نحو القطاعات التي ستحتاج إلى يد عاملة. وتعتبر الجامعات غير المتعاونة مؤسسات تجارية تنطبق عليها ضرائب الدخل و القيمة المضافة.
تجدر الإشارة هنا إلى ضرورة حماية الإختصاصات التي تحمي وجه المجتمع الثقافي كالآداب والفنون؛ ينطبق ذلك أيضاً على الإختصاصات الاستراتيجية كالعلوم، و الإختصاصات المرتبطة بالبيئة والطاقة.
الجامعة اللبنانية هي إحدى أبرز المعالم التي دمرها نظام التحاصص الطائفي من خلال: الزبائنية في توظيف الأساتذة والنصب على معظمهم وقتل قدراتهم البحثية عبر نظام التعاقد. تفريع وتشعيب الجامعة لتفقد دورها في جمع أبناء مجتمعنا وتوليد أفكار سياسية وإقتصادية وآفاق لهذا المجتمع، دون الإلتفات لما يؤسس هذا التفريع من ضعف في المستوى. انحسار ميزانية الجامعة حتى تكاد لا تزيد عن معاشات الموظفين فيها.
في رؤيتنا، يُعاد توزيع فروع الجامعة اللبنانية في أربع مجمعات كبيرة على الأكثر بحسب الإختصاصات، تتوزع جغرافياً بحسب الحاجات الإقتصادية للمناطق. تؤمن مساكن جامعية للطلاب وتأخذ مخططات النقل المشترك هذه المجمعات بعين الإعتبار.
تُرفع يد السلطة السياسية عن التوظيف في الجامعة اللبنانية الذي يتم بحسب المعايير العلمية آخذين بعين الإعتبار الخيارات الإقتصادية المذكورة أعلاه.
أيها الأحبة، منذ ثلاث سنوات على الأقل، شاركناكم حقيقة أن صلب المواجهة هو توزيع الخسائر؛ أن خيارنا هو توزيعها بشكل عادل و هادف بما يحمي المجتمع ويرسم أفقاً مشعاً له في مقابل خيار الحفاظ على امتيازات واهية وتفتيت المجتمع. مشروعنا للتعليم يأتي من ضمن مشروع سياسي متكامل وهو يجسد أفضل تجسيد هذا الخيار بشقيه المهمين: هادف وعادل.
ففي حين يستمر التدمير في قطاع التعليم منذ ثلاث سنوات، طرحنا أمامكم أيها الأحبة حلولٌ واضحة لا تهدف إلى وقف الدمار فحسب، بل إلى بناء أفق مختلف، لأن لدينا المقدرات لذلك، ولأن كرامة كل فرد في مجتمعنا مهددة إذا ذُلَّ أحدنا وهو يحاول أن يجد مدرسة جيدة لأطفاله، لأحفاده، لإخوانه.. لأن مجتمعنا مهدد على الأقل بأمنه إذا ما استمرت إدارة قطاع التعليم على ما هي اليوم. نريد مدرسة جيدة يتعلم ويسعد فيها كل أطفال مجتمعنا، ولدينا المقدرات لذلك. لكم أيها الأحبة، أياً تكن انتماءاتكم الحزبية، أن تختاروا طرفاً في المواجهة الحقيقية:
بيننا نحن الذين نحمل مشروع حماية المجتمع: التعليم المجاني للجميع، التأمين الصحي الشامل للجميع وتوزيع الخسائر بما يضمن حماية المجتمع ونهوضه عبر بناء دولة مدنية، عادلة وقادرة، تحمي مصالحه و كرامة أفراده، وبين من يريد التضحية بتعليم أطفالنا، بصحة أهلنا، وبكل ذرة أمل عند شبابنا ليحافظ على امتيازات واهية.
مقال من كتابة حسين مرتضى ومحمد خير نحاس، أعضاء في حركة مواطنون ومواطنات في دولة.