النقابات والمهن الحرّة أمام خطر خسارة مدّخراتها وتراجع مستوى معيشتها والهجرة
شربل نحّاس: هذا طرحنا للتصدّي للأزمة!
فيفيان عقيقي
نشهد اليوم احتجاجات بين موظّفي المؤسّسات العامّة والمصالح المستقّلة. بدأت مع موظّفي مصرف لبنان والقضاة، وانتقلت إلى موظّفي أوجيرو والمرفأ وصولاً إلى أساتذة الجامعة اللبنانية. يقود هذه الاحتجاجات قلق ناتج عن توجّه السلطة القائمة، مُمثّلة بالحكومة، إلى اقتطاع جزءٍ من رواتبهم ومكتسباتهم. يكرّر هؤلاء التحذير نفسه: «حقوقنا ومكتسباتنا خطّ أحمر وممنوع المسّ بها». لكن على الرغم من تزايد هذه الاحتجاجات واستمرارها ح
تى اليوم، إلّا أنها تبقى مجرّد احتجاجات غير مُنظّمة وفئوية، لا تعبّر سوى عن مطالب كلّ فئة بفئتها على حدة، وهو ما يؤدّي إلى امتثال السلطة لمطالب الأقوى بينهم على حساب من صوتهم غير مسموع أو القيام بصفقات، شبيهة بصفقة معمل دير عمار-2، تُعرّض المدّخرات المحفوظة في الصناديق التعاضدية لخطر خسارتها وبالتالي تهديد الأمن الاجتماعي لأصحابها والتفريط بمستواهم المعيشي، ووضعهم أمام موجة هجرة جديدة.
هذا الواقع، يستعرضه أمين عام حركة «مواطنون ومواطنات في دولة» الوزير السابق شربل نحّاس، كمؤشّر على الخلل داخل السلطة وعجزها عن إدارة الواقع، وذلك خلال ندوة نظّمت في طرابلس، يوم السبت الماضي، تحت عنوان «دور النقابات المهنية في مواجة الأزمة المالية: من طرابلس إلى كلّ لبنان». ويطرح خلالها «الانتقال من الاعتراضات الفئوية إلى صياغة عمل مشترك لصياغة برنامج عمل يتناول مجمل الفئات الاجتماعية في البلد، من خلال انتظام النقابات والمهن الحرّة والمعلّمين في إطار مشترك، يأخذ من طرابلس التي لطالما كانت خارج «الردار» ولا تذكر إلّا في الجولات الأمنية والانتخابات، منطلقاً للدخول كطرف مسؤول على طاولة التفاوض القائمة لتوزيع خسائر الأزمة المالية التي دخلنا في دوّامتها، وبالتالي فرض شروط بديلة تعبّر عن مصالحهم، لتكون عملية التوزيع عادلة وهادفة وتصبّ في مصلحة بناء دولة واقتصاد ومجتمع قابلين للحياة».
مرحلة توزيع الخسائر
يقول نحّاس «أننا دخلنا في مرحلة توزيع خسائر إنّما بغياب جزء كبير من الذين ستطاولهم، بحيث يتمّ توزيعها من دون أخذ مصالحهم بالاعتبار». فوفقاً لنحّاس «الأزمة الفعلية ليست في عجز المالية العامّة الناجم عن الهدر والفساد والتوظيف الزبائني الذي يموّل بالدَّين وتتغذّى منه الأرباح المصرفية على أهمّيته، بل في نقص الدولارات التي تدخل إلى البلد من خلال أموال المهاجرين اللبنانيين، وهي مشكلة لا تعالج بالتقشّف. فطوال الربع قرن الماضي كنا نعيش من أموال المهاجرين، فارتفع الطلب الاستهلاكي وارتفعت معه الأسعار، ولا سيّما أسعار السلع غير القابلة للتصدير مثل الأراضي والخدمات المحلّية كالطبابة والتعليم، وكذلك كلفة المعيشة والإنتاج الذي تمّ التخلّي عنه لصالح الاستيراد. وهو ما يعني أننا بتنا نحتاج سنوياً لكمّية من الدولارات لنغطّي العجز في ميزاننا الخارجي أي العجز في ميزان المدفوعات. منذ العام 2015، بات تأمين هذه الدولارات أكثر صعوبة بسبب تراجع أسعار النفط وزيادة الإنفاق العسكري، ولا سيّما في الدول الخليجية حيث يعمل المهاجرون اللبنانيون، وبالتالي لم يعد يحوّل الحدّ الأدنى المطلوب للاستمرار على النمط نفسه الذي اعتدنا عليه».
هذا الوضع يرتّب صعوبة في استمرار الأداء نفسه وفقاً لنحّاس، وهو ما بدأت ترجمته بـ«عملية توزيع خسائر غير مُعلنة تؤدّي إلى ضرب دخل اللبنانيين وإفلاسات متتالية، ويمكن التعبير عنها بسلسلة إشارات مثل زيادة تقنين الكهرباء لتقليل كلفة المحروقات المُستوردة والتي يتمّ تسديد قيمتها بالدولار. وقف القروض والتي انطلقت شرارتها بوقف القروض السكنية ومن ثمّ انسحبت على كلّ القروض، للحدّ من العملة المتداولة في يد الناس، أي الحدّ من الاستهلاك، أي بمعنى آخر الحدّ من الاستيراد ونزف الدولارات نحو الخارج. وأيضاً تتمثّل ببدء إصدار فواتير المولّدات الخاصة بالدولار بدلاً من الليرة، وعرقلة المصارف لعملية سحب الدولارات ما يؤدّي إلى تركيب سوق ثانوية لدى الصرّافين تبيع الدولار ضمن هوامش أعلى من سعر التثبيت وصلت إلى 1530 ليرة مقابل الدولار».
المدّخرات والصناديق مُهدّدة!
عدا عن تهديد مداخيل الناس، تبرز مخاطر جدّية على المدّخرات والأموال المُجمّعة في الصناديق التعاضدية. فوفقاً لنحّاس «يوجد في الجهاز المصرفي نحو 150 مليار دولار من الودائع بالليرة والدولار، إلّا أن كلّ ما يملكه لبنان كبلد يصل إلى 30 مليار دولار (أي الاحتياطي لدى مصرف لبنان). وهنا تكمن كلّ الإشكالية أي في كيفية توزيع هذه المليارات الثلاثين على الذين يملكون الـ150 مليار».
ويتابع نحّاس «من بين الـ150 مليار دولار هناك نحو 12-15 مليار دولار مُجمّعة لدى المصارف تعود لصناديق تعاضدية من ضمنها صناديق النقابات والمهن والحرّة، أي الأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين والأساتذة في التعليم الخاصّ، وهم أفراد لديهم موقعهم الاجتماعي وكلمتهم مسموعة، وبالتالي وجود هذه المدّخرات والتي بقسم منها تأتي من الاشتراكات والقسم الآخر من إيرادات عامّة خصّصتها الدولة لها مثل رخص البناء والمعاملات القضائية، ترتّب عليهم مسؤولية خاصّة وعامّة ليفاوضوا من خلالها على توزيع عادل وهادف للخسائر بدلاً من تركها وسائبة كما هو الحال اليوم، ومهدّدة إمّا من خلال الإعفاءات المُدرجة في مشروع الموازنة وتنصّ على إعفاء الدولة من موجب دفع المترتبات عليها لهذه الصناديق ما يؤدّي إلى تناقصها، أو تعريضها للخطر من خلال مشاريع الشراكة مع القطاع الخاص، إسوة بمشروع معمل دير عمار المُفترض تلزيم بنائه وتشغيله لمجموعة شركاء، وترتيب التزامات على الدولة، لا مؤسّسة كهرباء لبنان، لأكثر من 20 سنة، وفي حال التخلّف يجري تنفيذ موجبات العقد أمام المحاكم الدولية، مع ما يخلّفه ذلك من حجز على أموال لبنان التي تتمثّل بالذهب، واحتياطات مصرف لبنان أي أموال الصناديق، في حين أن المفاوضة بقوّة هذه الأموال قد يؤدّي إلى تمويل بناء المعمل منها، وهي توازي مرّة ونصف المرّة أموال «سيدر»، أو الدخول كشركاء في أي مشروع آخر مثل توسيع المطار وبناء المرافئ، في مقابل حصص أرباح بدلاً من شفط هذه الأموال كما هو الحال راهناً».