وفق التجارب السابقة يمكن الاستنتاج يقيناً بأنّ أحزاب السلطة ستوزّع اللوحات المصدرة وفق الاقتراح، على قاعدة الانتماء الحزبي والمناطقي من دون أيّ اعتبار لحاجات السوق والعرض والطلب. الفائدة التي ستعود على أحزاب السلطة تتمثل في شراء ولاء من سيحصل على هذه اللوحات. كلّ حامل لوحة سيحصل على تغطية صحية من الضمان الاجتماعي بموجب القانون ما يمثّل «خدمةً» قيّمةً في هذه الظروف الصعبة. وبالتالي سيتعزّز الولاء السياسي الزبائنيّ ويصبح حاملو اللّوحات بمثابة أصوات انتخابية لمن «ساعدهم» في الحصول على اللوحة.

إن سقوط السلطة فرصة لا تعوّض، فالنظام يتشكّل في ظروف تاريخيّة كهذه. وبدل أن تتحوّل طرابلس (وغيرها) إلى بؤرة للقمع الأمني وتجمّعٍ للمنظمات غير الحكومية، المطلوب اليوم لنقض هذه السرديات والأفكار هو الدفع إلى قيام تنظيمات تحوّل الغضب إلى عمل سياسي، وتعيد توجيه البوصلة نحو تأمين شبكة الأمان الاجتماعي، من تعليم مجاني وطبابة لجميع المقيمين والمقيمات تقطع أيدي الزبائيّة و”الخير”، فنبنيَ دولة المجتمع بأسره.

في 4 آب، نستذكر جريمة صنّاعها واضحون. غير أن التغيير الذي لا يُحشد له على مدار العام، لن يحصد حتمًا من خلال “حدث” آخر.

إنّ المعركة ليست قانونيّة، ولا معركة ضغط على القضاء، بل معركةُ سياسيّة لإسقاط نظام اللادولة، نظام التحاصص والحصانات، لأنه لا قضاء في غياب شرعية الدولة، ولا محاسبة في ظلّ التوافق.

لكن ما يهم هو تغييب الخطاب للحق بالحريات الفردية والجماعية التى ينص عليها الدستور صراحة.

يبقى السؤال الرئيس إن كانت «الوصاية الإنسانية» لدرء الانفجار الاجتماعى ستفتح مجالا لوقف الصراع الإقليمى والدولى على البلدين وكذلك ستفتح فسحة للخروج من الصراع ضمن البلدين عبر مشاريع، هى سياسية بطبيعتها، لتحييد الطبقة الحاكمة فيهما التى أثبتت عجزها وكذلك أمراء الحرب من أجل النهوض بدولة تقوم على المواطنة والعدالة همها المواطنون ومعيشتهم وحياتهم الكريمة قبل أى اعتبارٍ آخر؟
مهمة هكذا مشاريع صعبة. فعليها النهوض فوق الفئوية الطائفية والقومية، والتعامل مع كل الدول الخارجية على أنها كلها «خارج»، والوضوح فى الرؤية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للأزمة القائمة. والثبات فى تصميمها.
السؤال الكبير هنا هو مَن سيفتح الطريق للتغيير: ألبنان أم سوريا؟ البلدان مترابطان أكثر مما هو متداول.

هنا، يجدرُ القول بأن ما نراه من عنف هو الوجه الأكثر وضوحًا عن المأساة التي يعيشها لبنان. لذلك فاستنكاره باعتباره أمرًا غير مألوف هو نكرانٌ للواقع وانجرار لخطابات السلطة. أما التهليل له دون نقد فهو تقاعس عن المسؤولية ودفعٌ باتجاه الأسوأ دون جدوى

إن هذا الذهب واحد من الموارد المتبقية كذخيرة لإدارة الانهيار والتأسيس لما بعد الأزمة. فالسلطة العاجزة قد بدّدت منذ بداية الأزمة ما يساوي قيمة هذا الذهب تقريبًا، وهي تسير بجموح وشراسة نحو تبديد أيّ مورد قد يمدّد أجلها المزيّف، ولو على حساب المجتمع. الذهب ليس القيمة الدفترية التي سوف نصرفها إنفاقًا على الاستهلاك كما تعتقد سلطة اللاقرار، بل هو الفرصة الحقيقية التي ستحول دون هجرة الكثيرين وستحفظ كرامة الناس بدل أن يتحوّل المجتمع الى متسوّل ذليل.

تبدو آليّة التفاوض السورى ــ السورى تحت رعاية الأمم المتحدة فى جنيف معطّلة اليوم، بعد «انتخابات» تجديد الولاية الرابعة للرئيس السوريّ الحاليّ. ويحلّ مكان تلك الآليّة اليوم تفاوضٌ أمميّ، وسورى ــ سورى فى الخلفيّة، حول تجديد قرار مجلس الأمن 2533 لعام 2020 حول استخدام معبر «باب الهوى» مع تركيا لمرور مساعدات الأمم المتحدة الإنسانيّة للمناطق التى لا تخضع لسلطة الدولة السوريّة. عرائضٌ من مسئولين فى الكونجرس ومجلس الشيوخ الأمريكى تطالب بالاستمرار بهذه الآليّة التى تتعارض مع القانون الدولى وسيادة الدول، والعودة إلى فتح معابر أخرى مع تركيا والعراق والأردن يقابلها موقفٌ روسيّ ــ صينيّ أنّ هذه الآليّة كانت مؤقتة أساسا ولا يُمكن الاستمرار بها. الطرفان يحذّران من الكارثة الإنسانيّة التى تُطبِق على المواطنين السوريين والمجاعة التى تترقّبهم خلال السنة الجارية.