المصارف كانت «رأس حربة» في ما وصلنا إليه من تدمير لقطاع النقل المشترك.

إن هذه المواجهة، التي تستهدف ضرب أسس هذا النظام، هي معركة وجودية، يبقى بعدها المجتمع أو يزول. ليس لأحد ترف الوقت، ولا يجوز تمييع هذا الصراع.

الوعي المجتمعي هو الكفيل فى خلق أرضيّة للتفاوض على انتقالٍ سياسيّ لا يكلّف البلاد مزيدًا من الفشل والدمار. وهو الذي سيُلزِم الأطراف السوريّة على التفاوض، بما فيها السلطة القائمة.

في الخلاصة، لسنا أمام صراع هويات، بل صراع مصالح، وعلى من يتلطّى خلف الهويات أن يحسم خياره ويوضح عن أيّ مصالح يدافع.

بداية مثل أي مشروع مستقبلي تكمُن فى فضح الواقع الحالي دون مواربة ولا مجاملة، وتخطي الفئوية المستفحِلة والأوهام العبثية، وكذلك مشاعر الإحباط وغياب أي أمل سوى الهجرة. إن البلاد بكل أجزائها وأرضها وترابها لجميع السوريات والسوريين. وبالتالي تستحق، رغم كل المعاناة السابقة والحالية، صبرًا ومثابرة ممن يحملون مشروعًا يخدم مجتمعها وينهض به ويصون حرياته. بالمحصلة وطن المجتمع، كل المجتمع، لا حكامه.

تظهر عيوبُ النظام وتناقضاته كلها في العلاقة بين حاكم البنك المركزي وشركائه/مديريه زعماء الطوائف. سلامة قام بما هو عمله وبما هو ليس من شأنه، قام بعمل بضع وزاراتٍ، وركّب هذه المنظومة المالية على حساب المجتمع وهو يفكّكها اليوم على حساب المجتمع أيضًا.

وفق التجارب السابقة يمكن الاستنتاج يقيناً بأنّ أحزاب السلطة ستوزّع اللوحات المصدرة وفق الاقتراح، على قاعدة الانتماء الحزبي والمناطقي من دون أيّ اعتبار لحاجات السوق والعرض والطلب. الفائدة التي ستعود على أحزاب السلطة تتمثل في شراء ولاء من سيحصل على هذه اللوحات. كلّ حامل لوحة سيحصل على تغطية صحية من الضمان الاجتماعي بموجب القانون ما يمثّل «خدمةً» قيّمةً في هذه الظروف الصعبة. وبالتالي سيتعزّز الولاء السياسي الزبائنيّ ويصبح حاملو اللّوحات بمثابة أصوات انتخابية لمن «ساعدهم» في الحصول على اللوحة.

إن سقوط السلطة فرصة لا تعوّض، فالنظام يتشكّل في ظروف تاريخيّة كهذه. وبدل أن تتحوّل طرابلس (وغيرها) إلى بؤرة للقمع الأمني وتجمّعٍ للمنظمات غير الحكومية، المطلوب اليوم لنقض هذه السرديات والأفكار هو الدفع إلى قيام تنظيمات تحوّل الغضب إلى عمل سياسي، وتعيد توجيه البوصلة نحو تأمين شبكة الأمان الاجتماعي، من تعليم مجاني وطبابة لجميع المقيمين والمقيمات تقطع أيدي الزبائيّة و”الخير”، فنبنيَ دولة المجتمع بأسره.

في 4 آب، نستذكر جريمة صنّاعها واضحون. غير أن التغيير الذي لا يُحشد له على مدار العام، لن يحصد حتمًا من خلال “حدث” آخر.

إنّ المعركة ليست قانونيّة، ولا معركة ضغط على القضاء، بل معركةُ سياسيّة لإسقاط نظام اللادولة، نظام التحاصص والحصانات، لأنه لا قضاء في غياب شرعية الدولة، ولا محاسبة في ظلّ التوافق.