لبنانيون “بظروف خاصة”

مقال ل معن الأمين، مفوض العلاقات السياسية في حركة مواطنون ومواطنات في دولة، نشر على موقع الجنوب تاريخ ٣ تشرين الثاني ٢٠٢٠

لطالما اعتبر أهل الجنوب اللبناني أنفسهم لبنانيين “بظروف خاصة”، وذلك كنتيجة طبيعية لمحاذاتهم الجغرافية لفلسطين المحتلة، وبالتالي كانوا دائماً ومنذ عام 1948 عرضة لاعتداءات إسرائيلية متكررة من دون أي رادع أو مدافع، وذلك قبل الوجود الفلسطيني المسلح في الجنوب بحوالى عشرين سنة، وطبعاً قبل المقاومة الوطنية اللبنانية والمقاومة الإسلامية، في حين أن باقي لبنان، سلطة وأجهزة ومجتمعاً، كان يعيش بمنأى عن هذا القلق اليومي وكأن هذا الجزء من البلد في كوكب آخر، حتى حين طالت هذه الاعتداءات بيروت نفسها، كتدمير الطائرات المدنية في مطار بيروت عام 1968، تم التعاطي معها كنتيجة لصدفة جغرافية.

هذا الشعور تمظهر بأشكال عديدة، منها السياسي، كالانخراط الكثيف في الأحزاب التي رفعت شعارات العداء لإسرائيل ومقاومة اعتداءاتها، والاجتماعي، كالهجرة المبكرة، لا بل التهجير، من الريف إلى المدينة، وإلى ضواحيها الفقيرة على وجه الخصوص، وحتى الأدبي، كظاهرة “شعراء الجنوب”.

هذه “الخاصية” بدأت تفقد كثيراً من حدتها مع نهاية الحرب الأهلية، وبداية تكريس فعالية المقاومة في وجه إسرائيل، لا سيما في مفصلي 1993 و1996، إذ انكسرت معادلة التفوق الإسرائيلي المطلق، وتوج هذا المسار بالتحرير في العام 2000، وخصوصاً بمسار العدوان الإسرائيلي في العام 2006 ونتائجه.

لكن، وللمفارقة، في الفترة الزمنية نفسها، كان مسارٌ آخر يتكرس شيئًا فشيئاً. مسار انهيار الأطر الشكلية للدولة في لبنان، في كل لبنان. أي مسار تكريس نظام سياسي قائم على تآلف زعماء الميليشيات وأصحاب المليارات المشبوهة، أي نظام تحالف زعماء الطوائف. هذا السياق أدى إلى تعميم شعور عام، لدى كل اللبنانيين، أنهم لبنانيون “بظروف خاصة”، وأنهم يعانون يومياً من ظروف استثنائية، يعيش “باقي” اللبنانيين بمنأى عنها.

تسنى لنا، في “حركة مواطنون ومواطنات في دولة”، وعي هذا الشعور في مفاصل متعددة، لا سيما في مناسبة الانتخابات البلدية في العام 2016، والنيابية في العام 2018، إذ  كنا نتواصل مع المواطنين في دوائر متنوعة من الشمال إلى الجنوب ومن الساحل إلى الجبل. وكم كان لافتاً تعبيرهم الواحد، بالجمل والكلمات نفسها، عن شعورهم بوضعهم “الخاص”. هذا التعبير كان جلياً في البقاع، من زحلة إلى البقاع الغربي، إلى بعلبك والهرمل، وكان صادماً في الجبل، أي ضمنه، من الشوف إلى بعبدا إلى المتن فكسروان وجبيل. وكان مختلفاً عن ما كان عليه سابقاً في الجنوب من صيدا إلى صور والنبطية فمرجعيون وحاصبيا. ولكن التعبير الأقسى والأكثر إيلاماً كان في الشمال، من طرابلس تحديداً ولكن أيضاً من البترون والمنية والضنية وزغرتا وبشري… وعكّار.

نحن نعيش اليوم في لبنان، مفصلاً تاريخياً، ناتجاً من انهيار غير مسبوق، ليس في المالية والاقتصاد فحسب، بل في النظام السياسي وفي المجتمع أيضاً. ونتائج هذا الانهيار ستكون كارثية على المجتمع اللبناني كله، وبالطريقة نفسها. وما نفعله اليوم، او لا نفعله، وكيف نفعله، قد يكون حاسماً في مستقبلنا ومستقبل مجتمعنا. وبالتالي، في رأينا كـ “حركة مواطنون ومواطنات في دولة”، أن أي جهدٍ يركز موارده على خصوصية محلية ما، هو جهد مطلوب وصائب، بشرط اندراجه ضمن مشروع سياسي شامل للبنان كله، وإلا فالخوف كبير من أن يكون هذا الجهد هدراً للموارد القليلة أصلاً، والخوف أكبر أن يستثمر هذا الجهد، بالرغم من الثقة بحسن نيات القيمين عليه، في مشاريع تفتيتية تجاوز أصحابها اليومَ عتبة الخبث إلى الوقاحه.

أنا أعرف أن النمط السائد اليوم في الآراء المنشورة، أن تكون شخصية، ولكن خيارنا كحزب سياسي، أي كتنظيم، أن تكون آراؤنا بالصفة الحزبية، لأن السياسة مسؤولية، ولأن المسؤولية كبيرة، فالاستحقاق جلل.