المعركة سياسيّة.

مقال ل أحمد العطار، محرر مجلة Outlook في الجامعة الأميريكية في بيروت وعضو في حركة مواطنون ومواطنات في دولة. نشر على هذا الرابط تاريخ ١١ تشرين الثاني ٢٠٢٠

تكاد تغيبُ جميع الأحزاب اللبنانيّة عن انتخابات الجامعة الأميركيّة في بيروت، المُقرّرة يومَ الجمعة المقبل، لولا تلميحُ نادي القُوات اللبنانيّة بأنّ بعضَ أعضائه مُرشحون على لوائح المستقلّين. وسطَ الانهيار الاقتصادي والاجتماعي وانعاكاساته المؤكدة على الطلاب، لا يبدو لدى أحزابِ ائتلافِ الطوائف أيُّ جديدٍ تُقدّمه للبيئة الطلابية والنظام التعليمي الجامعي في لبنان. لكنّ الجديد في ذلك أنها أضمَرت هذه المرّة اعترافًا بالعجز، فآثرت التهرُّب من المسؤوليّة، مُسلّمةً مفتاحَ المجالس الطلابيّة المنزوعة الصلاحيّة سلميًّا للمعارضين، فهل يُسهمون في تغيير مسار النظام التعليمي لحماية المجتمع والبيئة التعليميّة في آن؟

لم يكن النظام التعليمي اللبناني يومًا مُنفصلًا عن نظام التحاصُصِ الطائفي القائم على استقطاب الدولارات ثمّ تبديدِها زبائنيًّا. فكان طريقُ الجامعات، وعدُدها يفوق الخمسين في لبنان، يمرّ عبر الطوائف، تارةً على شكل تأشيرة عبور إلى كليّات الجامعة اللبنانيّة، حيث تتقاسمُ الأحزاب كليّاتِ الجامعة وفروعَها، بما في ذلك نتائجَ مباريات الدخول وتعيينَ الأساتذة والموظفين، وطورًا على شكل منحٍ دراسيّةٍ في الجامعات الخاصّة، ومنها جامعتنا الكريمة، فلتسألوا عن مكتب المساعدات الماليّة!

هذا النظام الجامعي، رغم تغلغل المُحاصصات الطائفيّة في صلب تركيبته، ظلّ قادرًا على أداء دورٍ وظيفيّ محوريّ، بل إجراميّ، تمثّل في إعداد الشباب اللبناني للتصدير مُقابل الدولارات عبر تخريجِ آلاف الطلاب سنويًّا بشهادات لا تتناسب مع سوق العمل اللبناني تمهيدًا لتهجيرهم للعمل في الخارج، بدل استثمار طاقاتهم لإنماء الاقتصاد اللبنانيّ.

مع نفاد الدولارات لدى مصرفِ لبنان وانهيار القطاعين المالي والاقتصادي ومعهما النظامُ السياسيُ برُمّته، يبدو القطاع التعليمي في مهبّ الاندثار، وتغدو إذ ذاك الحاجةُ إلى إعادة بناء ركائزَ جديدةٍ ضرورةً لتقويمه، بدءًا من حماية الطلاب من تداعي انفلات سعرِ صرفِ الدولار، وصولًا إلى إعادة تعريف دور الجامعات وهيكلتها خدمًة للمُجتمع وربطها بالاقتصاد اللبناني عبر برامج مُشتركة مع القطاعات الاقتصاديّة تضمن تأهيل الموارد البشريّة واستثمارها بدل تهجيرها.

لكنّ تحوُّلًا كهذا لا بُدّ أن يمرّ عبر بناء دولة فعليّة تضمنُ توزيعَ الموارد المُتبقية بشكل هادفٍ يؤمن للقطاع التعليمي ما يحتاجُه من مواردَ لحمايةِ الطاقات الانتاجيّة البشريّة وتأهيلها، كما تشرف على إعادة هيكلة هذا القطاع خدمةً للاقتصادِ والمجتمع اللبنانيّين. وإنّ دولة كهذه لا بدّ أن تكون دولةً مدنيّة.

وعليه، فإنّ الطالب اللبناني اليوم، شاء أم أبى، أمامَ معركةٍ سياسيّةٍ حاسمةٍ على المستويين التعليمي والوطني. الاستسلامُ خيار، لكنّ المواجهة خيارٌ أيضًا، وعناوين المواجهةِ واضحة، فهل تتبنّاها الحملات الانتخابيّة الطلابيّة على تخوم الانتخابات القادمة؟

انتخابات المجالس الطلابية، حيث لا صلاحيّات استثنائيّة، بل لا صلاحيّات، جولة من عدّة جولات، لكنّ المعركة – بكلّ جولاتها – تبقى سياسيّةً.