شربل نحاس: هكذا افترقت عن الحريري وعون وموريس صحناوي

مقابلة مع أمين عام حركة مواطنون ومواطنات في دولة، شربل نحاس، أجرتها الصحافية نوال نصر ونشرت في جريدة نداء الوطن عدد ٢٠ كانون الثاني ٢٠٢٤ على هذا الرابط.

في أحد بيوت الأشرفية الجميلة يسكن شربل نحاس، صاحب الصوت الجهوري، الذي تنقل في حياته، في سبعين عاماً (مواليد 1954)، من محطة إلى محطة، وكانت لكلِّ بداية ولقاء والتقاء نهاية وفراق وافتراق. إلتقى رفيق الحريري وافترقا. إلتقى موريس الصحناوي في عالم المصارف وافترقا. والتقى ميشال عون وافترقا. فهل العلّة فيهم أمّ فيه؟ شربل نحاس الذي يُحبّ أن يَسأل أكثر مما يرغب في أن يُسأل سرد فصولاً من قصّة حياته التي التقى فيها «أفراداً وجماعات يحبون الزجل أكثر من زغلول الدامور وزين شعيب»، وحكى عن حزبه مواطنون ومواطنات في دولة (ممفد)، وعن وزارتي الإتصالات والعمل والأخطاء الجسيمة التي ارتكبت «وطلعت في راس البلد».

يستقبلنا بركوة قهوة حضّرها بنفسِهِ وفناجين شفّة. نجلس في مكتبته الكبيرة. ونبدأ في شرب القهوة ونحن نصغي إليه. نراه يتنشق رائحتها قبل أن يرتشفها وكأنه يعمل بنصيحة محمود درويش: لا أريد من الأيام كلها غير رائحة القهوة. نسأله عن الأشرفية البداية مع اليسار فيسألنا عن اليسار. نسأله عن التغييريين فيسألنا عن معنى التغيير. نسأله عن الشتاء فيسألنا عن الصيف. هو هكذا يحب طرح الأسئلة لكن ما لا يعرفه كثيرون عنه أنه إنسان، وراء قسماته القاسية، يملك كثيراً كثيراً من الحنان والطيبة. هو يهتم بالحيوانات. لديه قطط وتبنت زوجته ماجدة هررة فقدت أصحابها وبيوتها بعد تفجير الرابع من آب. وهناك قطط خضعت لعمليات جراحية تسرح وتمرح في أرجاء البيت بسلام.

الأخبار الشخصية لا تستهويه. لا يُحب الكلام كثيراً عن ما هو خاص: «تعلمتُ أن الأخبار الشخصية أهميتها إذا كانت تمثّل شيئاً عاماً». يوم اندلعت الحرب كان يدرس في فرنسا «أهلي كانوا يسكنون في منطقة المتحف، في المبنى الذي يضم أعمدة أثرية قرب نصب الجندي المجهول. هناك كان بيتنا. كبرت أنا وشقيقتي ماري. ووالدي هو مارون نحاس ووالدتي هند. درستُ في اليسوعيه ثم في الجمهور وتابعت دراستي الجامعية في فرنسا ( الهندسة والتخطيط في معهد بوليتكنيك والعلوم الإقتصادية والأنتروبولوجيا) ويوم اندلعت الحرب في لبنان أصبت بصدمة رهيبة.

اليأس كبير

صبّ لنا مجدداً القهوة وتابع الحديث رافضاً التصنيفات التي تلصق بالأشخاص: هذا يمين وهذا يسار ويقول: «أتعامل مع المجتمع واقعياً لا وفق متخيلات». علّم في الجامعة اللبنانية وشارك في تأسيس كلية الهندسة «مع بعض الأصدقاء بينهم جاك نصر وبلال العلايلي وأكرم غريب وكريم اديب» ويشرح «هي أول كلية تطبيقية في الجامعة اللبنانية. كانت تجربة شيّقة وصعبة». وعن تلك المرحلة يقول: «فرق العمر بيني وبين قسم من الأساتذة والطلاب لم يكن كبيراً، واليوم قسم من طلابي من جيلي. كتبنا المناهج وبدأنا البحث عن أساتذة للجامعة. حصل ذلك في ثمانينات القرن الماضي. وكان يفترض أن يأتي الأساتذة إما من الجامعتين الأميركية واليسوعية أو من الخارج. واللافت يومها أن عدداً من الأساتذة اللبنانيين عادوا من الخارج بعكس ما نراه اليوم، حيث الهمّ الأهم لدى كثيرين هو توضيب الحقيبة والرحيل. بلغنا اليوم حالة مختلفة كلياً. أيام زمان، على الرغم من الحرب كان هناك أمل أما اليوم فاليأس كبير».

الحريري

تعرّف نحّاس الى رفيق الحريري بعد الإجتياح الإسرائيلي عام 1982 «إتصل بي أحد الأساتذة وقال لي أن مساعدة ستقدم من المملكة العربية السعودية لرفع الأنقاض، وتمّ تكليف قريب الأستاذ لتشكيل فريق عمل من المهندسين لذلك. إلتقينا. كان فضل شلق. تعرفت على فضل في البداية في مهمة رفع الأنقاض وترميم المباني كي لا تنهار. عملنا على ذلك ظرفياً في خلال إقفال الجامعة. وتعاونا نحن والزملاء الأساتذة والطلاب – نحو 1500 شخص – وانطلق مشروع رفع الأنقاض في بيروت وضواحيها. وساعدتنا يومها القوات المتعددة الجنسيات وفريق من الفرنسيين للتأكد من عدم وجود ألغام. عملنا باندفاعة طوال شهرين ونصف. ويومها تعرفت الى رفيق الحريري الذي كان مكلفاً من السعوديين كونه يملك شركة تعهدات».

ماذا عن أول لقاء مع رفيق الحريري؟ لا يحب نحاس التوقف كثيراً عند اللقاءات الأولى ويقول «تطورت الأمور بسرعة. أتى يومها أمين الجميل رئيساً للجمهورية وطلب إستكمال رفع الأنقاض في وسط بيروت. فطلب رفيق منا ذلك. قلت له وسط بيروت له قصة أخرى ويتطلب دراسات أخرى ولا سكان فيه وهناك مخطط توجيهي له. قلنا له ليست قضية الوسط قصة رفع أنقاض بل هجر الوسط. قال لي: فلنتكلم مع أمين الجميل. فعلنا ذلك. قلنا له: روق قليلاً حتى نرى وضعية المباني. وكوّنا فريق عمل ضمّ الطلاب أيضا في كليتنا وكليات أخرى لتقييم حال مباني وسط بيروت. نظمنا تقييماً دقيقاً وأعددنا تصاميم و»ماكيت» على منطقة نموذجية وتم التعاقد بين مجلس الإنماء والإعمار الذي استحدث وشركة اوجيه لبنان لوضع مخطط لإعادة تقييم وسط بيروت، كنت مسؤولاً عن المشروع بين عامي 1983 و1986. خلال تلك المرحلة، كنت على إتصال دائم مع رفيق الحريري».

هل تجاوز الإتصال الدائم الكلام في الإقتصاد والإعمار الى السياسة؟ يجيب: «شهدت تلك المرحلة مفصلاً أساسياً لرفيق الحريري، رحمه الله، تمثل بحرب الشوف وعاليه ثم حرب بيروت في 9 شباط. في تلك المرحلة جرى لقاء جنيف ولوزان لاحقاً، كلفت السعودية على أثره رفيق الحريري بلعب دور سياسي كممثل للمملكة، وهو الذي لم يكن يتعاطى قبلاً في السياسة بل كان مكلفاً بعقود. رفيق الحريري قبل هذا المفصل شيء وبعده شيء آخر. اصبح الرجل طرفاً سياسياً كمندوب سعودي رسمي مثلما هناك مندوب سوري رسمي في بيروت. يومها ولدت مقولة «س وس» التي أطلقها نبيه بري. كان رفيق الحريري مندوب السعودية أما مندوب سوريا فكان عبد الحليم خدام والشبيبة عنا. وبدأت تدريجياً «تركب» فكرة لدى الحريري بإنشاء شركة خاصة في الوسط. هنا حصل خلاف واختلاف بيننا وافترقنا كل واحد في طريقه. وأتصوّر أنه اخطأ في تصوره وراحت علينا فرصة بناء وسط يمكن أن يمنح بيروت حيوية».

المهندس المصرفي

إنتهى «الإلتقاء» بين شربل نحاس ورفيق الحريري الى «اختلاف» وعاد الى التعليم: «إنهمكتُ بين العامين 1986 و1998 في إعداد الدراسات وعملت في مصرف سوسييته جنرال مع موريس صحناوي. أدرنا المصرف والمصارف المشتقة منه في قبرص والأردن. عملنا على تمويل الإعمار وعلى مشاريع الإسكان وأطلقنا أول نظام لتمويل النقل المشترك من جديد عبر الليزنغ. وحصل خلاف أساسي في الجهاز المصرفي بين ناس يعتبرون أن المرحلة مرحلة إعادة تكوين إقتصاد متماسك وبين ناس يعتبرون أن الأهم التوسع حجماً واستقطاب الأموال من الخارج لتعزيز الإستهلاك الداخلي. كنت موقناً يومها أن الخروج من الحرب لا يعني مجرد إعادة الإعمار لأن لا شيء يعود بعدها مثلما كان. يحتاج المرء الى إنجاز ما هو مختلف الذي يتطلب خيارات مختلفة لكن ما حصل هنا هو مناورات للتلاعب بالليرة وانطلقت المصارف في مضاربات على الليرة والدولار التي جعلت أرباح المصارف تصل الى مستويات قياسية خيالية. هذا الموضوع شكل خلافاً داخل القطاع المصرفي وجمعية المصارف وحصل إنفصال كامل بين فريق يقول بعدم جواز أن توظف الودائع لا سيما بالعملات الأجنبية في مصرف لبنان والدولة المحكومَين بعجز تجاه الخارج وبين فريق آخر من المصارف دخل في هذه اللعبة. كنا موقنين أن هذه العملية ستنتهي حكما الى إفلاس. وهذا خلاف أساسي. ويومها نظمت جمعية المصارف ما سمي بميثاق شرف من أجل تقويض «القيل والقال» بين المصارف. وانسحبت المصارف الاجنبية. لذلك فإن الإفلاس الذي نشهده اليوم ليس مفاجئاً بل هؤلاء نظموا الضرب ومشوا به إنطلاقاً من مقولة «بعد حماري ما ينبت حشيش».

لكن، ما هو السبب المباشر الذي دفع بنحاس الى أن يدير ظهره الى موريس صحناوي وقطاع المصارف؟ يجيب: «في العام 1997 بدأت العملية المالية تتضعضع في البلد. وظهرت فكرة إجراء إنتخابات بلدية. السلطة ركبت لائحة تضم جميع الأفرقاء من حزب الله الى القوات اللبنانية. وتنادينا نحن للنزول في وجهها مع سليم الحص ونجاح واكيم ومجموعة «تنغل» باسم العونيين ويسار وأنشأنا لائحة مقابل لائحة السلطة. يومها اعتبر صحناوي أنني حشرته و»خربطت قصصاً» وطلب مني الخروج من المواجهة. رفضت فافترقنا. تركت البنك ويومها خرق اللائحة المقابلة عبد الحميد فاخوري».

خيارات لا مراجل

حصل الإفتراق الثاني بين شربل نحاس وموريس صحناوي. فماذا عن المرحلة التي تلت مع رجل يبدو وكأن علاقاته تنتهي غالبا الى فراق؟ يجيب نحاس وهو يشعل سيكارة أخرى: «ما لاحظته أن الجرأة في المواجهة ليست عالية في البلد. ليس سهلا على كثيرين التعامل بثبات في المفاصل. الناس «بتلف». يضيف: السياسة في لبنان عنتريات وإيران والسعودية. هذه ليست سياسة بل هي أشبه بالزقيفة (المصفقين) في لعبة مباراة كرة قدم. هذه عصبيات. السياسة خيارات لا مراجل. والزجل كتير حلو لكنه ليس سياسة».

لكن، هناك من يقولون عنه «زجّال» أيضا حين يتكلم؟ فهل هو مستمع أقل وزجال أكثر؟ يجيب: «أستمع بقدر ما أستطيع لأن كثيراً من الخطابات معروفة سلفاً. فهل يعرف أحد ما هو رأي أي زعيم في ما يتعلق بإفلاس المصارف والهجرة والأجور؟ هم يتكلمون عن السيادة والممانعة وبالتالي مفهوم السياسة لديهم يقوم على تغذية العصبيات. أليس لافتاً عدم كلام الأحزاب عن الأجور؟ هؤلاء مثلهم مثل زغلول الدامور طقوسهم معروفة سلفاً. كل ما حققته الأحزاب أنها أدارت هدنة. هذه احزاب حرب أدارت هدنة صمدت ثلاثين عاماً. إنه إنجاز عظيم: غدارة الهدنة. دائما هناك خرق لكن الهدنة قائمة. أما من يقول عني زجال فليقل ما يشاء».

لا يعجب شربل نحاس شيئاً أو أحداً. فماذا عن التغييريين…؟ يقاطعنا قائلا: صراحة لا أعرفهم ولا أعرف ماذا يريدون تغييره». ماذا يصنف نفسه في ممفد (مواطنون ومواطنات في دولة)؟ يجيب: «نحن حزب». حزب ماذا؟ يجيب: «شو حزب شو». أنت تغييري أو ماذا؟ نحن لا علاقة لنا بأحد. فهل تعتقدين أن من سموا أنفسهم تغييريين لديهم مواقف من المسائل التي طرحتها؟ هناك واحد أو اثنان منهم غير شكل أما البقية فلا شيء. إنهم يتكلمون بشعارات ويحكون عن إحترام الدستور وكأن نبيه بري لا يعرف الدستور. هو يحفظه غيباً. هؤلاء من يتحدثون عن التغيير ماشوا الموجة. وهناك قسم منهم تدربوا وتدرجوا في التلفزيون فعرفهم الناس. تفبركوا. وهم غير قادرين على تغيير شيء لأن التغيير يعني اتخاذ خيارات صعبة. والخيار يعني تبدية مصالح معينة على مصالح أخرى. هو حسم خيارات تتضمن مخاطر وليس إطلاق شعارات عمومية. وهذا ليس موجوداً لا لدى الأحزاب التقليدية أو من سموا أنفسهم تغييريين وعادوا واصطفوا في المكان ذاته وهذا ما اراح السلطة من جديد فجددت شرعيتها وقالت: تعوا نعمل إنتخابات. السلطة قامت بانتخابات تجاه الخارج للقول انها ديموقراطية لكنها ركبت اللوائح كي لا تأتي أكثرية وبالتالي لا يمكن الإتيان برئيس جمهورية وحكومة وبالتالي أصبح لديها حجة للتنصل من المسؤولية. فبركت إنتخابات. كان أمام الناس فرصة ثمينة إستنزفت».

أنتم أيضا ضيعتم فرصة؟ «والله، أي فرصة». ماذا فعلتم في الإنتخابات؟ «نزلنا في كل الدوائر». لكنكم وزعتم انفسكم بطريقة غير مدروسة؟ يجيب: «هذا طبيعي لأننا لا نريد أن ننزل في أماكن محددة مثل الباقين قادرين على «ضبطها». نحن واجهنا على مستوى البلد كله لا في زاوية محددة». لكنكم كنتم تعلمون إستحالة ذلك؟ «همنا كان أن لا ينقطع الأمل لدى الناس». لكن، النتيجة، نتيجتكم، أتت لا شيء؟ «حصلنا على أربعين ألف صوت وهذا ليس عاطلاً أبدا». أين صرفتم الرقم؟ «تتكلمين وكأنك تتخيلين أن الإتيان بنائب سيشيل الزير من البير. هل تصدقين ذلك؟ لا يوجد مجلس نواب بل حقوق نقض متبادلة. هناك خمسة زعماء في البلد حين يقول أي واحد لا يعطل من اجل إكمال الهدنة. من يظن أن نائباً في المجلس قادر على فعل شيء فهو واهم. معترين هؤلاء النواب».

نشعر ونحن نسمعك أننا في دوامة، خضتم الإنتخابات وأنتم مدركون عجزكم؟ يجيب: «أردنا تظهير بديل أمل في بلد إشترى- ما قاله رفيق الحريري- السلم الأهلي بالدين. أردنا زرع أمل بأن هذا البلد غير محكوم حتى زواله بهذا التنظيم القائم الذي نشأ في الحرب الأهلية. ومشهد التغييريين مبكي فشو بدو الواحد يحكي».

لكن، أنتم تواجهون إنتقاداً أيضاً داخل حزبكم بسبب النهج الذي اتّبعتموه؟ يجيب: «ما هي المشكلة؟ نحن حزب نأخذ قراراً ونتحمل مسؤوليته. فما هي المشكلة؟».

يقال أنكم حزب الرأي الواحد رأيكم؟ «في كل حزب هناك تنظيم معين. نحن لدينا قواعد تنظيم وهناك مركزية – طبيعي – في اتخاذ القرارات. والقرار قد يكون مصيباً أو خاطئاً ونحن نتحمل مسؤوليته. هل تعتقدين ان إتخاذ القرار سهل في بلد «معتر» مثل بلدنا؟».

كيف تتخذون قراراتكم؟ لدينا أمانة عامة وأمين عام. أنا الامين العام ولدينا مؤتمر بعد شهرين او ثلاثة». هل على أعضاء حزبكم أن يتوقعوا التجديد لكم مجدداً مثلما حدث؟ يجيب: «وشو المشكلة؟ في المسائل العامة إتخاذ القرارات ليس بسيطاً بل يتضمن تقديراً. لو كانت الأمور ثابتة وواضحة لا تتطلب قراراً. القرار يتضمن حكماً مخاطرة. يمكن أن نغني جميعاً النشيد الوطني فهل هذا قرار؟ خذي قضية المستأجرين والمؤجرين. هؤلاء مختلفون ويحتاج المرء الى تقدير الأمور. ومن يأخذ قراراً عليه أن يقبل بوجود معارضة. والقرار مخاطرة».

لكن، من يأخذ القرار يفترض به أن يقوم بنقدٍ ذاتي. ماذا عنك؟ هل تجري نقداً ذاتياً بعد كل مرحلة؟ يجيب: «طبعاً طبعاً نتعلم ونعدّل».

أين اخطأت في الإنتخابات الأخيرة؟ «خطأنا أننا إعتبرنا أن هناك مستوى من الوعي والمسؤولية لمواجهة السلطة فتبين لاحقاً أن ذلك غير موجود. كان واجبي أن أكون أكثر واقعية».

هل نفهم من ذلك أن كل ما حصل قوّض أحلامك؟ «يمكن، حاولنا أن نجمع العالم امام طرح واحد وأن نظهّر للناس بديلاً ينعش الأمل. إعتبرت في إمكانية لتحقيق ذلك لكن تبيّن أن لكل واحد حسابات صغيرة. عملنا إعادة تقييم وأعدنا تقييم امورنا بناء على هذه التجربة المرّة».

عدد اعضاء مواطنون ومواطنات في دولة «400 أو 500 عضو ومن يناصرون الحرب يزيد عددهم عن 2500». هل تعقدون إجتماعات؟ «طبعا وهناك لجان وخلايا وتنظيم حزبي». وهل هناك بيوت للحزب؟ يجيب ممازحاً «لا بيوت و»بنديرة» وحركات». وهل ترفع صورك؟ «لا أحب الطقوس الزجلية».

«الإتصالات» وعون

تولى شربل نحاس وزارة الإتصالات ثم وزارة العمل وعن هاتين التجربتين يقول: «لم اكن أعرف ميشال عون قبل مجيئه الى لبنان، لكن يوم حصلت المواجهات مع سوليدير وبلدية بيروت ونقابة المهندسين كانت هناك مجموعة من العونيين تعرفت على أعضائها. كنا على تواصل. ويوم عاد عون عام 2005 دعاني أشخاص عدة للإجتماع به والتعرف اليه مؤكدين أن طرحنا واحد. إلتقينا في خلال جلستين أو ثلاث طوال. حدثت نقاشات ودعاني مع مجموعة من الشباب الذين أصبح عدد منهم لاحقاً نواباً لأشرح لهم المالية العامة والموازنة وأقيم لهم دورات تثقيفية. كتبنا في حينه قانون نظام الشيخوخة الذي لا يشبه ما انجز أخيراً من قانون «جرصة»، وحدث تعاون بيننا على أساس هذه المقاربة. وحين أتت الحكومة الجديدة كانت وزارة الإتصالات مهمة جداً. تسلمتها. وأنجزنا مسائل عدة بينها مد الألياف الضوئية وأدخلنا الداتا على الإتصالات. لكن، حصل تغيير حكومي بعد ذلك وترك سعد الحريري وكنت في حينها أتابع المسائل المالية بشكل دقيق أيضاً التي تمّ خرقها أيام فؤاد السنيورة الذي ارتاح معه نبيه بري. يومها، تحت الضغط أقرت زميلتنا ريا الحسن (وزيرة المال آنذاك) أموراً عدة كان لي الدور الأساسي بها».

كان ميشال عون راضياً عليك في البداية؟ «نعم، لكن يوم اتى نجيب ميقاتي عينت وزيراً للعمل التي يعتبرها كثيرون وزارة غير مهمة، لمكاتب الخدم فقط. إتفقنا يومها على فتح ملف تصحيح الأجور الذي كان مجمداً طوال 17 عاماً. لكن، كان فؤاد السنيورة ضدّه – ولست متفاجئا من ذلك – لكن ما فاجأني أن اكثر المعارضين كان علي حسن خليل وجماعة حركة أمل. حصلت مواجهة كانت غايتها بالتحديد تفكيك العصبيات الطائفية لأن المسائل التي طرحتها خلافية. في عزّ هذه المواجهة بدّل ميشال عون رأيه. قال لي: سنبدل ما بدأناه. رفضت. هو أراد ذلك لأنه رأى أن الأمور بدأت تخترب في سوريا وأتته إشارات بإمكانية ان يصبح رئيساً للجمهورية ويشطف – كما اخبرنا – الدرج من فوق. برأيي اخطأ خطأ جسيماً لا لأنه لم «يشطف» شيئاً بل لأن الحالة أصبحت بالويل. وبالتالي، بدل أن تكون المواجهة قائمة على قلب التركيبة كلها لتفكيك الكتل الطائفية دخل في منطق إستعادة حقوق المسيحيين وفي اللعبة الكبرى».

حصل الإفتراق مع ميشال عون ولم «تطلع براس» شربل نحاس بل «في رأس البلد» ويقول: «ظنوا أنني مسرور بالمنصب وطامح الى نمرة زرقاء وهبلنات».

هل هذه كانت المواجهة الأولى والأخيرة مع ميشال عون؟ يجيب: نعم. كانت المواجهة الحاسمة. بقية المسائل كنا نصل فيها الى توافق ولو بنسب مقبولة. هذه كانت مفاجأة بالنسبة لي. إنفصلنا لأنه غيّر المسار الذي كنا متفقين عليه. كان إتفاقنا سياسياً لا لعب أولاد صغار».

أتى الوزير البديل سليم جريصاتي… يقاطعنا بالقول: «ماشي الحال». هل التقى نحاس مجددا بميشال عون بعد الإفتراق؟ يجيب: «إلتقينا مرة واحدة في القصر الجمهوري بعد إنتخابه رئيساً. طلبت منه موعداً بعد إقرار قانون الإنتخاب مع مندوبين من الحزب لنشرح له أن الإنتخابات مثلما اقرت فرصة له كي يظهر صلابته في الدفاع عن الدستور وعليه ان يردّ القانون لأنه مخالف للدستور لأنه لا يجوز تصنيف اللبنانيين ضمن طوائف. قلنا له ردّ القانون لكنه لم يفعل».

يتذكر شربل نحاس محطة أخرى كاد يتجاوزها ويقول: «كانت لي تجربة عام 1998 مع جورج قرم وسليم الحص. يومها كان الخوف، بعد رفض رفيق الحريري المشاركة في السلطة أيام إميل لحود، من سقوط الليرة. تمت دعوتنا لتقدير المخاطر الإقتصادية والمالية أنا وجورج قرم ومكرم صادر. يومها بحثنا بقضية الليرة والدين العام وحصل خلاف بيننا. أنا كنت من الداعين الى تصحيح مالي بينما كان قرم متردداً لأنه اعتبر أن ذلك سيشكل صدمة. أخذوا براي جورج قرم وأصبح وزيرا للمالية وأنشأوا لجنة مالية أدارها سليم الحص كانت تجتمع مرتين في الاسبوع. يومها قلت للحص: إنكم تهدرون فرصة. أجابني: التقدير سيكون في النهاية للناس. وقد نشرت لاحقاً ذلك في كتاب عن التصحيح المالي. وطارت الفرصة».

نسمع اليوم عن الدولة المدنية حتى ميشال عون تكلم عنها… يجيب نحاس: «الكلام شيء أما الفعل فشيء آخر». هل نفهم من ذلك أن هناك تناقضاً بين ما يقال وما يُضمر؟ يجيب: «التناقض بين ما يقال وما ينفذ. جبران باسيل يحكي عن الدولة المدنية ونبيه بري أيضا. نضحك على بعضنا؟ الحكي ليس عليه «ميري» (جمرك).

لكن، ألا ترى أن الكلام اليوم عن دولة مدنية في ظل وجود حزب مسلح ديني مستحيل؟ يجيب: «هذا يزيدنا رغبة اليوم في تطبيق الدولة المدنية. أصبحت الحاجة أقوى. هناك قسم من الناس يعتبر انه في مواجهة مصيرية في حين أن قسماً آخر يقول: بدنا نعيش. هذا بلد مقسوم طائفياً ومربوط بزعماء».

يمضي شربل نحاس وقته اليوم في إجراء الأبحاث والتعليم «ما زلت أعلم في الجامعة الأميركية بعد أن إختلفت مع الجامعتين اللبنانية واليسوعية».

بعد انتهاء دراسته، مع بداية الحرب،عاد المهندس الشاب شربل نحاس الى لبنان مع زوجته. وهو اليوم يكثر الكلام عن الهجرة فماذا عن أولاده؟ يقول: «لدي أربعة اولاد: صبي وثلاث بنات: خليل وزين ويسرا وجنى. والبنات ثلاثتهن يعملن في الخارج».

هل تعب شربل نحاس من الكلام؟ يجيب: «ما هو البديل؟ لا يختار الإنسان لا أين يولد ولا متى. ولدنا في مكان صعب وهذا تحدٍّ لنا». لديه أصدقاء كثر. ريا الحسن صديقة ويقول: «العلاقات ليست ولدنات و»سنكف سنكف». في السياسة قد نختلف لكن يمكننا بناء صداقات شخصية». هل خصومه أكثر؟ يؤكد ذلك وهو الى شؤون حزبه يحب العمل في الأرض، في زراعة التفاح وقطافه في اللقلوق والعاقورة. وفي النهاية يختم بمحصلة من تجارب العمر: الناس يتعلقون بالثوابت ويخترعونها وعندما تصطدم الوقائع بالمتخيلات يكبر التحدي وتحصل الأزمات. والعمل السياسي هو قرارات ومخاطرة تنطلق من معاينة الواقع والجرأة في مواجهته».