لا حصانات لسلطة فاقدة للأهلية وفاقدة للشرعية

لن يكون الرابع من آب سنوية حدث تاريخي نستذكره بحزن، بل هو أولًا استمرار لجريمة لم تتوقف بعد، كبّدت ولا تزال تُكبّد أهالي الضحايا آلامًا ومآس يومية في سياق نضالهم للوصول للعدالة وللدفاع عن كرامة أبنائهم وبناتهم وأزواجهم. معاناة أهالي الضحايا اليومية تبيّن لنا جميعاً غياب أي قيمة للإنسان لدى هذه المنظومة الحاكمة التي تدّعي شرعية مبنية على حقوق طوائف لا على حقوق بشر، في حين أن حتى هذه الشرعية سقطت وقد انفضح عجزها عن حماية مجتمعنا من الأزمات، لا بل أُثبت تواطؤها في قتل الناس وتجويعهم والتسوّل على حسابهم.

تستشرس المنظومة اليوم في دفاعها عن مواقع سلطتها تحت ذريعة الحصانات. ما من حصانات لتغطية الجريمة، وما من حصانات لسلطة عاجزة وفاقدة للأهلية وفاقدة للشرعية. وهذا ما يعيه أركان المنظومة المتواطئون جيداً رغم مكابرتهم ومناوراتهم وخلافاتهم، في وجه مشروعية قضية ضحايا جريمة المرفأ من جهة، وفي وجه صراعنا السياسي الذي بدأ يُثمر تغييراً في موازين القوى من جهة أخرى.

انّ الذين نظّموا هجومهم على الدولة بالحرب والميليشيا، وأتمّوه بالعفو العام وبمجموعة مُحكمة من الحصانات التعاضدية، بعدما يئس الناس وباتوا يقبلون بأي شيء ليتوقف القتل، باتوا اليوم في موقع دفاعي، لأن تعاونية أحزاب الطوائف والتركيبات المالية الرافعة لها قد سقطت، وبات عجزها أمام جمهورها نفسه وأمام المجتمع والعالم ظاهرًا.

لم يعد هناك من مجالٍ للرشاوي، ولم يعد ممكنًا القبول بأي شيء، إلا إذا عاد التهديد بالحرب.

نستلهم اليوم نضال ذوي الضحايا وإدراكهم للحاجة الملحّة لدولة حقيقية، قادرة وفاعلة، تتعامل مع المجتمع كمجتمع، ومع المواطنين كمواطنين، ولا تستبدل فقدانها للشرعية بالرشوة ما دامت الأموال متوافرة للنهب، أو بالتهديد والتخويف بعد أن تكون جفت مصادر التمويل. من دون دولة حقيقية، أي من دون دولة مدنية، ومهما سعى بعض القضاة الشجعان، لن يكون هناك من مجالٍ لتحقيق العدالة القضائية.

نعلن اليوم، وكل يوم، تضامننا التام مع ذوي الضحايا ومشاركتنا بتحركاتهم الضاغطة على السلطة العاجزة والمجرمة والضعيفة والتي من غير الممكن بظل بقائها ان تقوم أي عدالة، ونعاهدهم بأننا سوف نستمر في تكثيف المواجهة السياسية مع السلطة القائمة غير الشرعية حتى نحوّل مأساة مجتمعنا المتراكمة الى تضحيات نبني من خلالها دولة تنبثق شرعيتها من إقرارها بحقوق الناس المدنية والاجتماعية والقضائية، فتضمن حياة كريمة لهم فتتحول جريمة الرابع من آب من فاجعة عابرة الى تاريخ تأسيسي في بناء لبنان جديد.