عندما نقول بأنّ السّلطة سقطت، نعني بأنّ ادواتها المالية والاقتصادية تعطّلت، بحيث لم تعد قادرة على ادارة العلاقات التي اكسبتها شرعيّتها: من تنظيم العلاقة بين المستأجر و صاحب الملك، وبين المودع و المصارف، وبين محطّات الوقود وموزّعي المحروقات، الى العلاقة بين مقدمي الخدمات الزبائنية والمواطنين. المقومات الضرورية لإدارة كل هذه العلاقات قد استنفذت، وأضحى مستقبل هذه العلاقات رهن الأسس التي يتم وضعها خلال الفترة التي تلي الانهيار.
عندما تسقط السّلطة، يدخل الواقع تلقائيّاً في مرحلة انتقاليّة. أي العبور من شيء يعجز عن الاستمرار، نحو شيء لم يولد بعد والمجتمع غير قادر على تخيّله. ورغم أن هذه المرحلة تحمل معها فرصة استثنائيّة للتغيير إلا أنها محفوفة بالمخاطر، لأنّ الانتقال قد يكون الى الأسوأ أو الى الأفضل، وما ستسرسو عليه هذه المرحلة سيأسس لسلطة مختلفة ولعلاقات مجتمعية جديدة.
الأزمة ليست نهاية العالم، بل هي فرصة استثنائيّة، والمواجهة سياسية في العمق. العمل السياسي هو رسم لوجهة هادفة في لحظات العجز والتخبّط والضياع، وأمّا الخطر الأكبر فهو اطالة عمر المرحلة الانتقاليّة نفسها، كونها تبدد مقدرات المجتمع وتفتته.